آنس به أو أعتمد عليه أو أستنيم (1) إليه أو أتقرب به غير رسول (صلى الله عليه وآله)، هو رباني صغيرا، وبوأني (2) كبيرا، وكفاني العيلة، وجبرني من اليتم، وأغناني عن الطلب، ووقاني المكسب، وعال لي النفس والولد والأهل. هذا في تصاريف أمر الدنيا، مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحق (3) عند الله عز وجل، فنزل بي من وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به، فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به؛ قد أذهب الجزع صبره، وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم والإفهام، والقول والإسماع، وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر، وبين مساعد باك لبكائهم، جازع لجزعهم، وحملت نفسي على الصبر عند وفاته بلزوم الصمت، والاشتغال بما أمرني به من تجهيزه وتغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ووضعه في حفرته، وجمع كتاب الله وعهده إلى خلقه، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة، ولا هائج زفرة، ولا لاذع حرقة، ولا جزيل مصيبة، حتى أديت في ذلك الحق الواجب لله عز وجل ولرسوله (صلى الله عليه وآله) علي، وبلغت منه الذي أمرني به، واحتملته صابرا محتسبا. ثم التفت (عليه السلام) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال (عليه السلام): وأما الثانية يا أخا اليهود، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني في حياته على جميع أمته، وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمره