فوجهه به، فأتاه جبرئيل فقال: يا محمد، لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك.
فأنبأني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكة، فأتيت مكة وأهلها من قد عرفتم؛ ليس منهم أحد إلا ولو قدر أن يضع على كل جبل مني إربا لفعل، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله، فبلغتهم رسالة النبي (صلى الله عليه وآله)، وقرأت عليهم كتابه، فكلهم يلقاني بالتهدد والوعيد، ويبدي لي البغضاء، ويظهر الشحناء من رجالهم ونسائهم، فكان مني في ذلك ما قد رأيتم. ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال (عليه السلام): يا أخا اليهود، هذه المواطن التي امتحنني فيه ربي عز وجل مع نبيه (صلى الله عليه وآله)، فوجدني فيها كلها بمنه مطيعا، ليس لأحد فيها مثل الذي لي، ولو شئت لوصفت ذلك، ولكن الله عز وجل نهى عن التزكية.
فقالوا: يا أمير المؤمنين، صدقت والله، ولقد أعطاك الله عز وجل الفضيلة بالقرابة من نبينا (صلى الله عليه وآله)، وأسعدك بأن جعلك أخاه، تنزل منه بمنزلة هارون من موسى، وفضلك بالمواقف التي باشرتها، والأهوال التي ركبتها، وذخر لك الذي ذكرت وأكثر منه مما لم تذكره، ومما ليس لأحد من المسلمين مثله، يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا (صلى الله عليه وآله) ومن شهدك بعده، فأخبرنا يا أمير المؤمنين، ما امتحنك الله عز وجل به بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) فاحتملته وصبرت؟ فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه، علما منا به، وظهورا منا عليه، إلا أنا نحب أن نسمع منك ذلك كما سمعنا منك ما امتحنك الله به في حياته فأطعته فيه.
فقال (عليه السلام): يا أخا اليهود، إن الله عز وجل امتحنني بعد وفاة نبيه (صلى الله عليه وآله) في سبعة مواطن، فوجدني فيهن - من غير تزكية لنفسي - بمنه ونعمته صبورا.
أما أولهن يا أخا اليهود، فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد