فذلك من الله، فاغتنموا هذه الفرجة لعله أن يعيش فيها المحترف، وينسى فيها القتيل؛ فإن بقاء المهلك بعد الهالك قليل.
فخرج سعيد بن قيس فقال: يا أهل الشام! إنه قد كان بيننا وبينكم أمور حامينا فيها على الدين والدنيا، سميتموها غدرا وسرفا.
وقد دعوتمونا اليوم إلى ما قاتلناكم عليه بالأمس، ولم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم، ولا أهل الشام إلى شامهم بأمر أجمل من أن يحكم بما أنزل الله، فالأمر في أيدينا دونكم، وإلا فنحن نحن، وأنتم أنتم.
وقام الناس إلى علي فقالوا: أجب القوم إلى ما دعوك إليه؛ فإنا قد فنينا...
أكلتنا الحرب وقتلت الرجال.
وقال قوم: نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه أمس. ولم يقل هذا إلا قليل من الناس، ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة، وثارت الجماعة بالموادعة.
فقام علي أمير المؤمنين فقال: إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب، وقد والله أخذت منكم وتركت، وأخذت من عدوكم فلم تترك، وإنها فيهم أنكى (1) وأنهك.
ألا إني كنت أمس أمير المؤمنين، فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت ناهيا فأصبحت منهيا، وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون (2).
2578 - مروج الذهب - بعد ذكر رفع المصاحف -: فلما رأى كثير من أهل العراق ذلك، قالوا: نجيب إلى كتاب الله وننيب إليه، وأحب القوم الموادعة وقيل لعلي: