قد خرجتم وظننتم أن الأمر لا يبلغ إلى هذا، فالله الله في أنفسكم! فإن السيف ليس له بقيا، فإن أحببتم فانصرفوا حتى نحاكم هؤلاء القوم، وإن أحببتم فإلي فإنكم آمنون بأمان الله.
فاستحيينا أشد الحياء وأبصرنا ما نحن فيه، ولكن الحفاظ (1) حملنا على الصبر مع عائشة حتى قتل من قتل منا، فوالله، لقد رأيت أصحاب علي (عليه السلام) وقد وصلوا إلى الجمل وصاح منهم صائح: اعقروه، فعقروه فوقع، فنادى علي (عليه السلام):
" من طرح السلاح فهو آمن، ومن دخل بيته فهو آمن ". فوالله ما رأيت أكرم عفوا منه.
وروى سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمي قال: قال ابن الزبير: إني لواقف في يمين رجل من قريش إذ صاح صائح: يا معشر قريش! أحذركم الرجلين:
جندبا العامري والأشتر النخعي. وسمعت عمارا يقول لأصحابنا: ما تريدون وما تطلبون؟ فناديناه: نطلب بدم عثمان، فإن خليتم بيننا وبين قتلته رجعنا عنكم.
فقال عمار: لو سألتمونا أن ترجعوا عنا بئس الفحل، فإنه ألأم الغنم فحلا وشرها لجما ما أعطيناكموه. ثم التحم القتال وناديناهم: مكنونا من قتلة عثمان ونرجع عنكم. فنادانا عمار: قد فعلنا، هذه عائشة وطلحة والزبير قتلوه عطشا، فابدؤوا بهم، فإذا فرغتم منهم تعالوا إلينا نبذل لكم الحق. فأسكت والله أصحاب الجمل كلهم (2).