قطرة قطرت من عين رجل من خشية الله إلا أطفأت بحارا من النيران. يا نوف، إنه ليس من رجل أعظم منزلة عند الله من رجل بكى من خشية الله وأحب في الله وأبغض في الله. يا نوف، من أحب في الله لم يستأثر على محبته، ومن أبغض في الله لم ينل مبغضيه خيرا، عند ذلك استكملتم حقائق الإيمان. ثم وعظهما وذكرهما، وقال في أواخره: فكونوا من الله على حذر، فقد أنذرتكما. ثم جعل يمر وهو يقول: ليت شعري في غفلاتي أمعرض أنت عني أم ناظر إلي؟! وليت شعري في طول منامي وقلة شكري في نعمك علي ما حالي؟ قال: فوالله ما زال في هذا الحال حتى طلع الفجر (1).
601 - أبو صالح: دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية، فقال له: صف لي عليا، فقال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا أعفيك. قال: أما إذ لا بد... فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يميل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا - يتضرع إليه - ثم يقول للدنيا: إلي تغررت؟! إلي تشوفت؟! هيهات هيهات، غري غيري، قد بتتك ثلاثا، فعمرك قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق. فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال: كذا كان أبو الحسن، كيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال: وجد من ذبح واحدها في حجرها، لا ترقأ دمعتها ولا يسكن حزنها. ثم قام فخرج (2).