والشكاية عن الخلفاء، وغصبهم لفدك والعوالي عنها بعد وفاة أبيها، شرحا يوضح مغلقاتها، ويكشف معضلاتها، مبينا لمبهماتها، مفصلا لمجملاتها، موضحا لبعض ما يحتاج إلى الايضاح من ألفاظها، ومبينا لبعض ما يقتضيه الحال من باطنها وتأويلها، بيانا مشتملا على نوع من التحقيق، وشرحا على طور التعمق والتدقيق بقدر ما يقتضيه المقام والحال، ويساعد عليه المجال.
واني وإن لم أكن من فرسان هذا الميدان وأهل هذا الشأن، لتراكم أمواج الفتن والحدثان، حتى كنت مدة مديدة من الزمان نسج علي عناكب (1) النسيان، ولم يكن لي وجدان من جهة اختلال حال الزمان والإخوان، الا أن توجهه العالي رفع الموانع والأستار، ودفع عني واردات الهموم والأكدار.
فقمت على ساق الامتثال مع ما علي من دواعي الأشغال والاشتغال، فأتيت على سبيل العجالة بما تيسر لي من تلك المقالة مع قلة البضاعة في هذه الحالة، وكثرة الإضاعة، وقلت: أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر، وجئنا ببضاعة مزجاة، فألحظها بعين الرضا، وتلقها بيد القبول والارتضاء، فان الهدايا على قدر مهديها، وأسأل الله أن يعصمنا من الزلل والخطل (2) في القول والعمل.
أقول وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق:
اعلم أن هذه الخطبة الغراء، والدرة البيضاء، خطبة في نهاية الفصاحة وغاية البلاغة، من حيث عذوبة ألفاظها الكافية، وغرابة مضامينها الشافية، وجزالة معانيها الوافية مع ما عليها من البهاء والجلالة، والرواء والديباجة، بحيث لو خوطب بها الجبال الشامخة لرأيتها خاشعة متصدعة، وإن لم تؤثر في تلك القلوب القاسية التي كانت كالحجارة أو أشد قسوة.
وهي كلام دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق، وهي موضع المثل: (في كل