قال: وأرسل إليه الحسين رضي الله عنه بريرا (1). فقال برير: يا عمر بن سعد! أتترك أهل بيت النبوة يموتون عطشا وحلت بينهم وبين الفرات أن يشربوه وتزعم أنك تعرف الله ورسوله؟ قال: فأطرق عمر بن سعد ساعة إلى الأرض ثم رفع رأسه وقال: إني والله أعلمه يا برير علما يقينا أن كل من قاتلهم وغصبهم على حقوقهم في النار لا محالة، ولكن ويحك يا برير (2)! أتشير علي أن أترك ولاية الري فتصير لغيري؟ ما أجد نفسي تجيبني إلى ذلك أبدا، ثم أنشأ يقول:
دعاني عبيد الله من دون قومه * إلى خطة فيها خرجت لحيني فو الله لا أدري وإني لواقف * على خطر بعظم على وسيني أأترك ملك الري والري رغبة (3) * أم أرجع مذموما (4) بثأر حسين وفي قتله النار التي ليس دونها * حجاب وملك الري قرة عين قال: فرجع برير بن حضير إلى الحسين فقال: يا بن بنت رسول الله! إن عمر بن سعد قد رضي أن يقتلك بملك الري.
قال: فلما أيس الحسين من القوم وعلم أنهم قاتلوه أقبل على أصحابه فقال:
قوموا فاحفروا لنا حفيرة حول عسكرنا هذا شبه الخندق وأججوا فيه نارا، حتى يكون قتال القوم من وجه واحد لا نقاتلهم ولا يقاتلون فنشتغل بحربهم ولا نضيع الحرم قال: فوثب القوم من كل ناحية وتعاونوا وحفروا خندقا، ثم جمعوا الشوك والحطب وألقوه في الخندق وأججوا فيه النار. وأقبل رجل من معسكر عمر بن سعد يقال له مالك (5) بن حوزة على فرس له حتى وقف عند الخندق وجعل ينادي: أبشر يا حسين! فقد تلفحك النار في الدنيا قبل الآخرة (6)! فقال له الحسين: كذبت يا عدو الله! إني قادم (7) على رب رحيم وشفيع مطاع، وذلك جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم قال