الناس يومئذ حيارى قد ردوا أيديهم في أفواههم، قال: ونظرت إلى شيخ من قدماء أهل مكة وقد بكى حتى اخضلت (1) لحيته وهو يقول: قد صدقت المرأة! كهولهم خير كهول، وشبابهم خير شباب إذا نطقوا نطق سحبان.
ذكر دخول القوم على عبيد الله بن زياد قال: ثم أتى القوم حتى أدخلوا على عبيد الله بن زياد ونظرت إليه زينب بنت علي رضي الله عنه فجلست ناحية (2)، فقال ابن زياد: من الجالسة؟ فلم تكلمه، فقال الثانية: من الجالسة؟ فلم تكلمه، فقال رجل (3) من أصحابه: هذه زينب بنت علي رضي الله عنه فقال ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكم (4) وأكذب أحدوثتكم!
فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وطهرنا في كتابه تطهيرا، وإنما يفضح (5) الفاسق ويكذب الفاجر. فقال ابن زياد: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟ فقالت زينب رضي الله عنها: ما رأيت إلا جميلا (6)، هؤلاء القوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم يا بن زياد، فتحاجون وتخاصمون، فانظر لمن الفلح يومئذ! ثكلتك أمك يا بن مرجانة! قال: فغضب ابن زياد من ذلك، فقال له عمرو بن حريث (7) المخزومي: أصلح الله الأمير! إنها امرأة، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها (8)، فقال ابن زياد: لقد أشفى الله [نفسي] (9) من طاغيتك والعصاة المردودة (10) من أهل بيتك. فقالت زينب: لقد قتلت كهلي وقطعت فرعي (11) واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت.
فقال ابن زياد: هذه شجاعة لا حرج، لعمري لقد كان أبوك شاعرا شجاعا، فقالت