ألف درهم أخرى وأعطاه عروضا (1) بمائتي ألف درهم، ثم قال: يا أبا القاسم! إني لا أعلم على وجه الأرض في مثل اليوم رجلا هو أعلم منك بالحلال والحرام، وقد كنت أحببت أن لا تفارقني وأن تعظني وتأمرني بما فيه حظي ورشدي، فو الله لا أحب أن تنصرف عني وأنت ذام (2) لشيء من أخلاقي، قال: فقال له محمد بن علي: أما ما كان منك إلى الحسين فذاك شيء لا تستدرك، وأما الآن فإني ما رأيت منك منذ قدمت عليك إلا خيرا، ولو رأيت منك خصلة أكرهها لما وسعني السكوت دون ما أنهاك عنها وأخبرك بحق الله فيها الذي أخذ الله تبارك وتعالى على العلماء في علمهم أن يبينوه للناس ولا يكتمونه ولست مؤديا عنك من إلى ورائي من الناس إلا خيرا غير أني أنهاك عن شرب هذا الخمر المسكر فإنه رجس من عمل الشيطان، وليس من ولي أمور الأمة ودعي له بالخلافة على رؤوس الأشهاد على المنبر كغيره من الناس، فاتق الله في نفسك وتدارك ما فات من أمرك - والسلام -.
قال: فسر يزيد بما سمع من محمد بن علي سرورا شديدا ثم قال: إني قابل منك ما أمرتني به، وإني أحب أن تكاتبني في كل حاجة تعرض لك من صلة أو تعاهد ولا تقصرن في ذلك، فقال محمد بن علي: أفعل ذلك إن شاء الله ولا أكون إلا عند ما تحب.
قال: ثم ودعه محمد بن علي ورجع إلى المدينة ففرق ذلك المال كله في أهل بيته وسائر بني هاشم وقريش، [وما] من سائر النساء والرجال والذرية والموالي إلا صار إليه شيء من ذلك المال. ثم خرج محمد بن علي من المدينة إلى مكة، فأقام بها مجاورا لا يعرف شيئا غير الصوم والصلاة.
ابتداء ذكر عبد الله بن الزبير وفتنته ودعوته الناس إلى بيعته قال: وتحرك عبد الله بن الزبير ودعا إلى نفسه وجعل يبايع سرا، ويزيد لا يعلم بشيء من ذلك، قال: وأقبل نفر من أصحاب عبد الله بن الزبير منهم عبد الله بن مطيع العدوي والعباس بن سهل الأنصاري وجماعة من أولاد المهاجرين والأنصار حتى دخلوا على محمد بن علي رحمه الله فسلموا عليه. فرد عليهم السلام وأمرهم