كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٥ - الصفحة ١٩
القبر أيضا فصلى ركعتين (1)، فلما فرغ من صلاته جعل يقول: اللهم! إن هذا قبر نبيك محمد وأنا ابن بنت محمد وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم! وإني أحب المعروف وأكره المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق هذا القبر ومن فيه ما (2) اخترت من أمري هذا ما هو لك رضى.
قال: ثم جعل الحسين يبكي حتى إذا كان في بياض الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ساعة، فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقبل في كبكبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى ضم الحسين إلى صدره وقبل بين عينيه وقال: يا بني! يا حسين! كأنك عن قريب أراك مقتولا مذبوحا بأرض كرب وبلاء من عصابة من أمتي وأنت في ذلك عطشان لا تسقى وظمآن لا تروى وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة! فما لهم عند الله من خلاق، حبيبي يا حسين! إن أباك وأمك [وأخاك] (3) قد قدموا علي وهم إليك مشتاقون، وإن لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة. قال: فجعل الحسين ينظر في منامه إلى جده صلى الله عليه وآله وسلم ويسمع كلامه وهو يقول: يا جداه! لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا أبدا فخذني إليك واجعلني معك إلى منزلك. قال: فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا حسين! إنه لا بد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم فإنك (4) وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة (5).
قال: فانتبه الحسين من نومه فزعا مذعورا فقص رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطلب، فلم يكن ذلك اليوم في شرق ولا غرب أشد غما من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا أكثر منه باكيا وباكية.
وتهيأ الحسين بن علي وعزم على الخروج من المدينة ومضى في جوف الليل إلى قبر أمه فصلى عند قبرها وودعها، ثم قام عن قبرها وصار إلى قبر أخيه الحسن

(1) بالأصل " ركعتان ".
(2) بالأصل: " إلا ما ".
(3) زيادة اقتضاها السياق، باعتبار ما ورد " قدموا علي وهم إليك مشتاقون ".
(4) بالأصل: فإني.
(5) قال الحدادي: فرفع النبي (ص) يده ورأسه إلى السماء فقال: اللهم أفرغ على حبيبي الصبر وأعظم له الأجر " (عن هامش المقتل).
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (كتاب الضحاك بن قيس إلى يزيد بن معاوية) 5
2 ذكر كلام يزيد بن معاوية 9
3 ذكر الكتاب إلى أهل البيعة بأخذ البيعة 9
4 ذكر كتاب يزيد بن معاوية الوليد بن عتبة 18
5 ذكر وصية الحسين بن علي إلى أخيه محمد ابن الحنفية 20
6 ذكر وصية الحسين رضي الله عنه لأخيه محمد رضي الله عنه 21
7 ذكر أخبار الكوفة وما كان من كتبهم إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما 27
8 ذكر الكتاب الأول إلى الحسين رضي الله عنه 27
9 ذكر الكتاب الثاني 29
10 ذكر كتاب الحسين بن علي إلى أهل الكوفة 30
11 ذكر خروج مسلم بن عقيل رضي الله عنه نحو العراق 32
12 ذكر نزول مسلم بن عقيل الكوفة واجتماع الشيعة إليه للبيعة 34
13 ذكر مسير عبيد الله بن زياد ونزوله الكوفة وما فعل بها 38
14 ذكر هانئ وعبيد الله بن زياد 45
15 ذكر مسلم بن عقيل رحمه الله وخروجه على عبيد الله بن زياد 49
16 ذكر دخول مسلم بن عقيل على عبيد الله بن زياد وما كان من كلامه وكيف قتل 55
17 ذكر هانئ بن عروة ومقتله بعد مسلم بن عقيل رحمهما الله تعالى 61
18 ذكر كتاب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية 62
19 ابتداء أخبار الحسين بن علي عليهما السلام 64
20 ذكر مسير الحسين إلى العراق 69
21 (قصة عبيد الله بن الحر الجعفي) 73
22 ذكر الحر بن يزيد الرياحي لما بعثه عبيد الله بن زياد لحربه الحسين بن علي رضي الله عنهما 76
23 ذكر كتاب الحسين رضي الله عنه إلى أهل الكوفة 81
24 ذكر نزول الحسين رضي الله عنه بكربلاء 84
25 ذكر اجتماع العسكر إلى حرب الحسين بن علي رضي الله عنه 89
26 ذكر ابتداء الحرب بين الحسين وبين القوم 101
27 ذكر الذين قتلوا بين يدي الحسي بن علي 101
28 وهذه تسمية من قتل بين يدي الحسين من ولده وإخوانه وبني عمه رضي الله عنهم 110
29 ذكر كلام زينب بنت علي رضي الله عنها 121
30 ذكر دخول القوم على عبيد الله بن زياد 122
31 ذكر عبد الله بن عفيف الأزدي ورده على ابن زياد ومقتله رحمه الله 123
32 ذكر كتاب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي رضي الله عنهما 126
33 ذكر ما كان بعد قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما 135
34 ذكر قدوم سلم بن زياد أخي عبيد الله بن زياد على يزيد بن معاوية وتوليته بلاد خراسان 136
35 ذكر كتاب يزيد بن معاوية إلى محمد ابن الحنفية ومصيره إليه وأخذ جائزته 137
36 ابتداء ذكر عبد الله بن الزبير وفتنته ودعوته الناس إلى بيعته 140
37 ذكر حبس المختار بن أبي عبيد الكوفي وما كان عبيد الله بن زياد لعنه الله 143
38 ثم رجعنا إلى الخبر الأول 144
39 ذكر حرب المختار من ابن زياد وما كان من بيعته لعبد الله بن الزبير 146
40 ابتداء حرب وأقم وقتل فيها من أولاد المهاجرين والأنصار والعبيد والموالي 150
41 ذكر الوقعة الأولى بين مكة والمدينة بين عمرو بن الزبير وأخيه عبد الله ومقتل عمرو بن الزبير 153
42 ذكر مسير مسلم بن عقبة المري إلى مكة 159
43 ذكر حرة وأقم وما قتل فيها من المسلمين 159
44 ثم رجعنا إلى أخبار الشام 169