عبد الله بن مطيع: خار (1) الله لك يا بن بنت رسول الله فيما قد عزمت عليه غير أني أشير عليك بمشورة فاقبلها مني، فقال له الحسين. وما هي يا بن مطيع؟ قال: إذا أتيت مكة فاحذر أن يغرك أهل الكوفة (2) فيها قتل أبوك وأخوك (3) بطعنة طعنوه كادت أن تأتي على نفسه، فألزم الحرم فأنت سيد العرب في دهرك هذا، فو الله لئن هلكت ليهلكن أهل بيتك بهلاكك والسلام. قال: فودعه الحسين ودعا له بخير وسار حتى وافى مكة، فلما نظر إلى جبالها (4) من بعيد جعل يتلو هذه الآية: (ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) (5).
ودخل الحسين إلى مكة ففرح به أهلها فرحا شديدا. قال: وجعلوا يختلفون إليه بكرة وعشية، واشتد ذلك على عبد الله بن الزبير لأنه قد كان طمع أن يبايعه أهل مكة، فلما قدم الحسين شق ذلك عليه، غير أنه لا يبدي ما في قلبه إلى الحسين لكنه يختلف إليه ويصلي بصلاته ويقعد عنده ويسمع من حديثه وهو مع ذلك يعلم أنه لا يبايعه أحد من أهل مكة والحسين بن علي بها، لأن الحسين عندهم أعظم في أنفسهم من ابن الزبير (6).
قال: وبلغ ذلك أهل الكوفة أن الحسين بن علي قد صار إلى مكة. وأقام الحسين بمكة باقي شهر شعبان ورمضان وشوال وذي (7) العقدة. قال: وبمكة يومئذ عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فأقبلا جميعا حتى دخلا على الحسين وقد عزما على أن ينصرفا إلى المدينة فقال له ابن عمر: أبا عبد الله! رحمك الله اتق (8) الله الذي إليه معادك! فقال عرفت من عداوة أهل هذا البيت لكن وظلمهم إياكم، وقد ولي الناس هذا الرجل، يزيد بن معاوية، ولست