كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٥ - الصفحة ١٦٥
بالحجارة والنيران ويزيد بن معاوية قد مات ومضى إلى سبيله (1)، فقال الحصين:
ويلك! ما تقول؟ فقال: أقول ما تسمع، فقال له: وما كان سبب ذلك؟ فقال: إنه شرب من الليل شرابا كثيرا ثم أصبح مخمورا فذرعه القيء ثم لم يزل كذلك إلى أن مات حتى قذف عشرين طشتا من ذهب فهذه قصته (2). قال الحصين: ويحك! لمن بايع الناس بعده؟ فقال: بايعوا ابنه معاوية بن يزيد، غير أنه خلع نفسه من الخلافة (1)، فقال: ولم ذلك؟ فقال: إذا أخبرك أنه ملك أربعين يوما، فلما كان بعد ذلك سعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم خطب وقال في خطبته: أيها الناس!
إنما أنا لحم ودم، واللحم والدم لا يصبران على نار جهنم، وأنا خالع هذا الأمر، فقلدوا أموركم من أحببتم! فناداه الناس من كل مكان فقالوا: يا أمير المؤمنين!
فاعهد عهدك إلى من أحببت فإنا له سامعون مطيعون! فقال: ما أنا بأمير المؤمنين ولا أعهد إلى أحد، فإن نال خيرا فقد نال منه آل أبي سفيان، وإن كان شرا فلا أحب أن أوردهم الدنيا وأمضي في الآخرة (3)، ثم نزل عن المنبر فصار إلى منزله (4)، فعاش ثلاثة أيام ومات (5)، والناس في الشام في أمر عظيم من الاختلاف.

(١) وفي الطبري ٥ / ٥٠١ وابن الأثير ٢ / ٦٠٤ أن خبر هلاك يزيد بلغ عبد الله بن الزبير قبل أن يعلم به الحصين بن نمير ومن معه من عسكر الشام.
(٢) مات يزيد بقرية من قرى حمص يقال لها حوارين من أرض الشام لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ٦٤ وهو ابن ثمان وثلاثين سنة. (الطبري ٥ / ٤٩٩ وانظر ابن الأثير ٢ / ٦٠٢ ومروج الذهب ٣ / ٦٦ ونسب قريش ص ١٢٨ الجوهر الثمين لابن دقماق ص ١ / ٧٩ تاريخ خليفة ص ٢٥٣).
(٣) انظر خطبته في الطبري ٥ / ٥٣٠ ابن الأثير ٢ / ٦٠٥ ومروج الذهب ٣ / ٨٨. والإمامة والسياسة ٢ / ١٧ تاريخ اليعقوبي ٢ / 254 الفخري ص 118 تاريخ ابن العبري ص 111 باختلاف بين المصادر وبينها وبين الأصل.
(4) موقف الخليفة معاوية بن يزيد بن معاوية المفاجئ وبعد وقت قصير جدا على توليته مقاليد الخلافة، حيث بقي محجوبا لا يرى حاول بعض المؤرخين تعقبه. قال ابن العبري: إنه كان قدريا، حيث قال: إني لا أحب أن ألقى الله بتبعاتكم فشأنكم وأمركم ولوه من شئتم وتخلى للعبادة حتى مات.
ورأى الفخري أنه كان صبيا ضعيفا وقد عرف بأبي ليلى لضعفه كما قال المسعودي في مروجه: هذه الكنية للمستضعف من العرب.
ونرى أن اعتكافه وعزلته في منزله واحتجابه عن الناس يعود لأسباب كثيرة أقلها ثلاثة:
1 - عدمه اقتناعه - من حيث المبدأ - بأحقيته للولاية (الفخري).
ب - اشتداد الصراع بين أطراف القيادة الأموية بين القيسية (الضحاك) واليمينية.
ج - ظهور عبد الله بن الزبير الرجل القوي بعد موت يزيد ودعوته الناس لمبايعته وادعائه الخلافة وظفره بالحجاز والعراق وخراسان ومصر واليمن والشام إلا الأردن.
(5) لم يرد في الطبري ولا ابن الأثير ولا عند المسعودي أنه كان مريضا قال المسعودي في مروجه: وقد تنوزع في سبب وفاته فمنهم من رأى أنه سقي شربة ومنهم من رأى أنه مات حتف أنفه ومنهم من رأى أنه طعن 3 / 89.
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»
الفهرست