بعلي بن الحسين بن يديه (1) وهؤلاء أقاربه يصيحون، فقال: أعلموه أنه لا بأس عليه! قال: فلما أتي بعلي بن الحسين وثب مسلم بن عقبة فصافحه وقبل بين عينيه وأقعده معه على سريره، ثم قال له: لا بأس عليك وأمير المؤمنين يزيد بن معاوية يقرأ عليك السلام ويقول لك: لا تلمني على حبس عطائي لك، إنما (2) شغلني عنك عبد الله بن الزبير وأنا موجه إليك بعطائك موفرا. قال: ثم أمر له مسلم بن عقبة بألف درهم، وقال: احملوه إلى منزله.
و لم يزل مسلم بن عقبة يفعل بأهل المدينة ما فعل ثلاثة أيام ولياليهن، ثم خرج يوم الربع منها وقد انتهب وأغار وقتل من قتل وفعل ما فعل، وخرج يريد مكة (3) إلى عبد الله بن الزبير حتى إذا صار إلى بعض الطريق أدركته الوفاة (4)، فدعا بالجند والمقاتلة الذين كانوا معه. ثم دعا الحصين بن نمير السكوني فأقعده بين يديه ثم أقبل إليه فقال: اسمع مني ما أقول لك يا بن برذعة الحمار! إني قد وليتك هذا الجيش، ولو كان الأمر إلي ما فعلت، غير أن أمير المؤمنين أمرني بذلك وأنا ميت لا محالة (5)، فانظر أن تفعل في أهل مكة وفي عبد الله بن الزبير كما رأيتني فعلت بأهل المدينة. ثم جعل يقول: اللهم! إنك تعلم أني لم أعص خليفة قط، اللهم!
[إني] لا أعلم (6) عملا أرجو به النجاة إلا ما فعلت بأهل المدينة. ثم اشتد به الأمر فمات، فغسلوه وكفنوه ودفنوه، وبايع الناس للحصين بن نمير السكوني من بعده، وسار القوم يريدون مكة، وخرج أهل ذلك المنزل فنبشوه من قبره وصلبوه على نخلة (7). قال: وبلغ ذلك أهل العسكر فرجعوا إلى أهل ذلك المنزل فوضعوا السيف فيهم، فقتل (8) منهم من قتل وهرب الباقون، ثم أنزلوه من النخلة فدفنوه ثم أجلسوا