قال: وشق على عامة أهل مكة ما فعل عبد الله بن الزبير بأخيه. قال: وقد كان عبد الله بن الزبير قبل ذلك يصعد المنبر فيقول: أيها الناس! إن بطني شبرا وما عسى يكفي شبرا (1)، إنما يكفيني في كل يوم قبضة من طعام. وإنما أريد [أن] أسير فيكم بسيرة الصالحين وسيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. قال: وكثيرا ما كان يقرأ سورة الأعراف على المنبر ويقرأها حرفا حرفا، وكان يدور في أسواق مكة يتشبه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه. فلما فعل بأخيه ما فعل وأقامه للناس وأمر بضربه حتى مات، فجعل بعض أهل مكة يقول في ذلك (2):
[تخبرنا أن سوف تكفيك قبضة * وبطنك شبر أقل (3) من الشبر وأنت إذا ما نلت شيئا قضمته * كما قضمت نار الغضا حطب السدر (4) لكم سيرة الفاروق لا شك غيره * وسنة صديق النبي أبي بكر فلما كذبت الله ما قد وعدته * وما كنت قد وكدت في جانب الحجر فأصبحت ما تجري لك اليوم طاعة * ببلدة أعراب ولاه ولا قفر فإن كنت تخشى أن (5) تبيت بنعمة * قريبا لردتك العطوف على عمرو] قال: وذكر ذلك أبو حرة (6) مولى بني مخزوم في تغزله حيث يقول:
ما زال في سورة الأعراف يقرأها * حتى فؤادي مثل (7) الخز في اللبن يقول للناس بطني غير ما كذب * شبرا هنيا ودون القوت يكفيني لو كان بطنك شبرا قد شبعت وقد * أفضلت فضلا كثيرا للمساكين [أما تصبك من الأيام جائحة * لا سهل منك على دنيا ولا دين ولا نقول إذا أصبحت مغتبطا * ألا أمير برب الناس آمين] (8)