وعنده يومئذ المختار بن أبي عبيد وعبد الله بن مطيع العدوي والعباس بن سهل الأنصاري ووجوه أولاد المهاجرين والأنصار، قال: فسلموا عليه، فرد عليهم السلام ورحب بهم وقربهم وأدناهم ثم سألهم عن حالهم وأمرهم، فأدوا إليه رسالة يزيد، فقال عبد الله بن الزبير: وما الذي يريد مني يزيد بن معاوية؟ إنما أنا رجل مجاور لهذا البيت عائذ به من شر يزيد بن معاوية وغير يزيد، فإن تركني فيه وإلا انتقلت عنه إلى بلد غيره، وكنت فيه إلى أن يأتيني الموت. قال: ثم أمر لهم بمنزل، فصاروا إليه يومهم ذلك وأمر لهم بما يصلحهم.
فلما كان من الغد خرج فصلى بأصحابه الفجر، ثم أقبل فجلس في الحجر، واجتمع إليه أصحابه، وأقبل إليه هؤلاء الوفد الذين قدموا عليه من عند يزيد وتكلموا كلاما يرجون به اتباعه ليزيد وطاعته له. قال: فأقبل إليه النعمان بن بشير فقال:
بلغ (1) يزيد عنك أنك تصعد المنبر فتذكره وتذكر أباه معاوية بكل قبيح، وأنت تعلم أنه إمام وقد بايعه الناس، ولا نحب لك أن تخرج يدك من الطاعة وتفارق الجماعة، وبعد فإن الغيبة لا خير فيها. قال: فقطع عليه الكلام عبد الله بن الزبير، ثم قال:
يا بن بشير! إن الفاسق لا غيبة له، وما قلت فيه إلا ما قد علمه الناس منه، ولو كان على ما كان عليه الأئمة الأخيار سمعنا وأطعنا ولذكرناه بكل جميل، وبعد فإني أنا في هذا البيت بمنزلة حمامة من حمام مكة، أفتحل لكم أن تؤذوا حمام مكة؟ قال:
فغضب عبد الله بن عضأة الأشعري فقال: نعم والله يا بن الزبير (2)! نؤذي حمام مكة ونقتل حمام مكة، وما حرمة حمام مكة يا بن الزبير! أ تصعد المنبر وتتكلم في أمير المؤمنين بكل قبيح ثم تشبه نفسك بحمام مكة؟ ثم قال: يا غلام! ائتني بقوسي وسهم! قال: فأتي بقوسه وسهامه. فأخذ سهما فوضعه في كبد قوس (3) ثم سدده نحو حمام مكة وقال: يا حمامة! أيشرب أمير المؤمنين ويفجر؟ قولي نعم! أما والله لو قلت: نعم، لما أخطأك سهمي هذا، يا حمامة! أيلعب أمير المؤمنين بالقرود والفهود ويفسق في الدين؟ قولي: نعم! أما والله لئن قلت: نعم، لا أخطأك سهمي هذا، يا حمامة! فتقتلين أم تخلعين الطاعة وتفارقين الجماعة وتقيمين في