معاوية كان عبد الله (1) من عباده أكرمه الله واستخلفه وخوله ومكن له ثم قبضه إلى روحه وريحانه ورحمته وغفرانه، عاش بقدر ومات بأجل، عاش برا تقيا وخرج من الدنيا رضيا زكيا، فنعم الخليفة كان ولا أزكيه على الله، هو أعلم به مني، وقد كان عهد إلى عهدا وجعلني له خليفة من بعده، وأوصاني أن أحدث آل أبي تراب بآل أبي سفيان لأنهم أنصار الحق وطلاب العدل، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة على أهل المدينة - والسلام - (2) -.
قال: ثم كتب إليه في صحيفة صغيرة كأنها أذن فأرة: أما بعد فخذ الحسين بن علي وعبد الرحمن بن أبي بكر (3) وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب أخذا عنيفا ليست فيه رخصة، فمن أبى عليك منهم فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.
قال: فلما ورد كتاب يزيد على الوليد بن عتبة (4) وقرأه قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، يا ويح الوليد بن عتبة من أدخله في هذه الإمارة، ما لي وللحسين ابن فاطمة! قال: ثم بعث إلى مروان بن الحكم (5) فأراه الكتاب فقرأه واسترجع، ثم قال: يرحم الله أمير المؤمنين معاوية! فقال الوليد: أشر علي برأيك في هؤلاء القوم كيف ترى أن أصنع، فقال مروان: ابعث إليهم في هذه الساعة فتدعوهم إلى البيعة والدخول في طاعة يزيد (6)، فإن فعلوا قبلت ذلك منهم، وأن أبوا قدمهم واضرب أعناقهم قبل (7) أن يدروا بموت بمعاوية فإنهم إن علموا ذلك وثب كل رجل منهم فأظهر الخلاف ودعا إلى نفسه، فعند ذلك أخاف أن يأتيك من قبلهم ما لا قبل لك به وما لا يقوم له إلا عبد الله بن عمر، فإني لا أراه ينازع في هذا الأمر أحدا إلا أن تأتيه الخلافة فيأخذها عفوا، فذر عنك ابن عمر (8) وابعث إلى الحسين بن علي وعبد الرحمن بن