كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٣ - الصفحة ١٥٨
فرسيهما فقال له الشامي: يا أبا الحسن! إن لك فضلا وقدما في الإسلام وهجرة و سابقة وأخوة وقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يساميك أحد ولا يدانيك، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن دماء هذه الأمة وتأخير هذه الحروب إلى أن ترى في ذلك رأيك؟ فقال علي: وما ذاك؟ قال: أن ترجع إلى عراقك ونرجع إلى شامنا فنخلى بينك وبين العراق، وتخلي بيننا وبين الشام، فقال علي رضي الله عنه: لقد علمت أنك إنما عرضت هذا نصيحة وشفقة، ولكن قد أهمني هذا الأمر وأسهرني، و ضربت أنفه وعينه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله عز وجل، أو يرضى من أوليائه إن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون له، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في نار جهنم قال: فرجع الشامي وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون (1).
ذكر مقتل عمار بن ياسر رحمه الله قال: وزحف (2) الناس بعضهم إلى بعض، فاقتتلوا بالسهام والنبل والرماح و السيوف وعمد الحديد، فلم يسمع إلا وقع الحديد بعضه على بعض، وهوله في صدور الجال أشد هولا من الصواعق. قال: ورفع عمار بن ياسر رأسه نحو السماء فجعل يقول: اللهم! إنك تعلم أني لو كنت أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا الفرات (3) فأغرقها لفعلت، اللهم! وإنك لتعلم أني لو كنت أعلم أن رضاك في أن أضع سيفي (4) هذا في بطني (5) وأتكىء عليه حتى يخرج من ظهري لفعلت، اللهم! وإني لا أعلم عملا هو أرضي لك من جهاد هؤلاء القوم.
قال: ثم أقبل عمار بن ياسر على الناس فقال: أيها الناس! إن هذه الرايات التي ترونها مع معاوية قد قابلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والله ما هي بأبرهن ولا أتقاهن، ألا! وإني مقتول في يومي هذا، فإذا قتلت فحطوا عني سلاحي، وكفنوني في ثيابي، وزملوني بدمي، وصلوا علي وواروني في حفرتي،

(١) الخبر في الأخبار الطوال ص ١٨٨ ووقعة صفين ص ٤٧٤ باختلاف يسير في الرواية.
(2) بالأصل: وزحفوا، خطأ.
(3) الطبري 6 / 21 البحر.
(4) الطبري: ظبة سيفي.
(5) الطبري: صدري.
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر وقعة الماء وهي أول وقعة صفين 5
2 ذكر الوقعة الثانية بصفين 14
3 ذكر ما جرى بعد ذلك من الكلام 51
4 حديث خالد بن المعمر السدوسي 55
5 ثم رجعنا إلى الخبر 56
6 حديث سودة بنت عمارة الهمذانية مع معاوية 59
7 ثم رجعنا إلى الخبر 61
8 حديث أم سنان المذحجية مع معاوية 65
9 ثم رجعنا إلى الخبر من صفين 68
10 ذكر ما جرى من المناظرة بين أبي نوح وذي الكلاع الحميري 71
11 ذكر ما كان بعد ذلك من القتال 81
12 حديث عدي بن حاتم الطائي مع معاوية 82
13 ثم رجعنا إلى الخبر 83
14 حديث الزرقاء بنت عدي الهمذانية مع معاوية 87
15 ثم رجعنا إلى الخبر 89
16 ثم رجعنا إلى الخبر 103
17 حديث عبد الله بن هاشم مع معاوية 124
18 ثم رجعنا إلى الخبر 126
19 ذكر مقتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب 128
20 ذكر ما كان بعد ذلك من القتال 131
21 خبر عرار بن الأدهم 141
22 ذكر ما جرى من الكتب بين علي بن أبي طالب وبين معاوية وعمرو بن العاص وابن عباس لما عضهم سلاح أهل العراق 149
23 ذكر مقتل عمار بن ياسر رحمه الله 158
24 ذكر القوم الذين أنفذهم معاوية إلى علي بن أبي طالب يكلمونه في ضع الحرب 168
25 ذكر تحريض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على القتال 171
26 ذكر تحريض معاوية أصحابه على القتال 172
27 ذكر الواقعة الخميسية وهي وقعة لم يكن بصفين أشد منها وصفة ليلة الهرير 174
28 ذكر صفة ليلة الهرير 180
29 ذكر رفع المصاحف على رؤوس الرماح 181
30 ذكر امتناع القوم من القتال 182
31 ثم رجعنا إلى الخبر 188
32 ذكر ما كان بعد ذلك بينهم من المكاتبة 191