فرسيهما فقال له الشامي: يا أبا الحسن! إن لك فضلا وقدما في الإسلام وهجرة و سابقة وأخوة وقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يساميك أحد ولا يدانيك، فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن دماء هذه الأمة وتأخير هذه الحروب إلى أن ترى في ذلك رأيك؟ فقال علي: وما ذاك؟ قال: أن ترجع إلى عراقك ونرجع إلى شامنا فنخلى بينك وبين العراق، وتخلي بيننا وبين الشام، فقال علي رضي الله عنه: لقد علمت أنك إنما عرضت هذا نصيحة وشفقة، ولكن قد أهمني هذا الأمر وأسهرني، و ضربت أنفه وعينه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله عز وجل، أو يرضى من أوليائه إن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون له، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في نار جهنم قال: فرجع الشامي وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون (1).
ذكر مقتل عمار بن ياسر رحمه الله قال: وزحف (2) الناس بعضهم إلى بعض، فاقتتلوا بالسهام والنبل والرماح و السيوف وعمد الحديد، فلم يسمع إلا وقع الحديد بعضه على بعض، وهوله في صدور الجال أشد هولا من الصواعق. قال: ورفع عمار بن ياسر رأسه نحو السماء فجعل يقول: اللهم! إنك تعلم أني لو كنت أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا الفرات (3) فأغرقها لفعلت، اللهم! وإنك لتعلم أني لو كنت أعلم أن رضاك في أن أضع سيفي (4) هذا في بطني (5) وأتكىء عليه حتى يخرج من ظهري لفعلت، اللهم! وإني لا أعلم عملا هو أرضي لك من جهاد هؤلاء القوم.
قال: ثم أقبل عمار بن ياسر على الناس فقال: أيها الناس! إن هذه الرايات التي ترونها مع معاوية قد قابلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والله ما هي بأبرهن ولا أتقاهن، ألا! وإني مقتول في يومي هذا، فإذا قتلت فحطوا عني سلاحي، وكفنوني في ثيابي، وزملوني بدمي، وصلوا علي وواروني في حفرتي،