الحرب وهي تقول: أيها الناس! ارعووا وراجعوا (1) فإنكم قد أصبحتم في فتنة غشيتكم كجلابيب الظلم وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها من فتنة عمياء صماء لا تسمع لراعيها (2) ولا تنساق لقائدها، أيها الناس! إن المصباح لا يضيء في الشمس، والكوكب لا ينير مع القمر، والبغل لا يسبق الفرس، والزف لا يوزن بالحجر، ولا يقطع الحديد إلا بالحديد، ألا! فصبرا صبرا يا معاشر المهاجرين والأنصار وصبرا يا معاشر العرب على هذا المضض (3)! وإياكم والفرض! فكان قد اندمل شعب الشتات والتأمت كلمة الحق (4) ودفع الحق بالباطل، ولا يجهلن أحد فيقول: كيف وأي؟ ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
قال: فجعلت الزرقاء بنت عدي تقول مثل هذا إلى أن اختلط الظلام وجاء الليل فحجز بين الفريقين.
حديث الزرقاء بنت عدي الهمذانية مع معاوية قال: فبينا معاوية بعد ذلك في مجلسه ذات يوم وقد صارت إليه الخلافة وعنده يومئذ عمرو بن العاص وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم والوليد بن عقبة وعتبة بن أبي سفيان وغيرهم من بني أمية إذ ذكر الزرقاء بنت عدي الهمذانية وتحريضها عليه بصفين، فقال: أيكم يحفظ كلامها؟ فقال (5) القوم: فينا من يحفظه يا أمير المؤمنين! قال: فأشيروا علي في أمرها ما الذي أصنع بها، فقال مروان: أما أنا فأشير عليك بقتلها، فإنها أهل لذلك، فقال معاوية: بئس الرأي أنت يا مروان!
أيحسن بمثلي أن يتحدث عنه الناس أني قتلت امرأة! لا ولكني أبعث إليها فأدعوها وأسمع من كلامها الآن.
ثم كتب معاوية إلى عامله بالكوفة أن أوفد إلى الزرقاء بنت عدي الهمذانية مع ثقة من محرمها وعدة من فرسان قومها وامهد لها وطاء لينا واسترها بستر كثيف (6)