و دعوني وربي، فإن صاحبكم مخاصم وإنما تختصم الأخيار فمن فلج فلجت شيعته.
قال: ثم جعل يقول: أيها الناس! هل من رائح إلى الله يطلب الجنة تحت ظلال السيوف والأسنة؟ اليوم لقاء الأحبة محمدا وحزبه. قال: ثم تقدم إلى القوم و جعل يقول (1):
نحن ضربناكم على تنزيله * فاليوم نضربكم على تأويله ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحق إلى سبيله.
قال: ثم جعل يكابدهم حملة بعد حملة وهو يقول: يا أهل الشام! والله لو هزمتمونا حتى تبلغوا بنا إلى سعفات هجر لعلمنا أننا على الحق وأنكم على الباطل.
قال: فاختلط (2) به أصحاب معاوية وحملوا عليه، وحمل عليه ابن الجون السكوني فطعنة طعنة في شرا سيفه (3)، ورجع إلى أصحابه وهو لما به. فقال:
اسقوني شربة من ماء! قال: فأتاه غلام له يقال له راشد بضياح من لبن، فقال: أبا اليقظان! اشرب هذا اللبن بدل الماء، فلما نظر عمار إلى اللبن كبر وقال: بهذا أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن آخر زادي اللبن من الدنيا (4). قال: ثم شرب فخرج اللبن من جراحته، فسقط عمار على قفاه ثم تشهد وقضى نحبه - رحمه الله -.
فقال عمرو بن العاص لمعاوية: قد قتل عمار بن ياسر! فقال معاوية: قتل عمار فكان ما ذا؟ فقال: ألا تعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمار: " تقتلك الفئة الباغية وإن آخر زادك من الدنيا اللبن " (5). فقال معاوية: إنما قتله من جاء به إلى الحرب.