هذه الأبيات (1):
يقول عبيد الله لما بدت له * سحابة موت تقطر الموت والدما ألا بالقوم اصبروا إن صبركم * أعف وأجحى عفة وتكرما فلما تدانى القوم للطعن حشدا * فخر (2) فلاقى الترب كفيه والفما وخلف أطفالا يتامى أذلة * وخلف عرسا تسكب الدمع بالدما وقد كان في الحرب المحلة باغيا (3) * وقد كان يحمي غيره إن تكلما ذكر ما كان بعد ذلك من القتال قال: فلما قتل عبيد الله بن عمر وتقدم معاوية بين يديه ثمانون علما، كل علم منها في يد رئيس من رؤساء عسكره، وليس من علم إلا ومن ورائه خلق عظيم من أهل الشام، ورئيس هؤلاء بجميعهم رجل من حمير يقال له أصبح بن ذي الجوشن.
قال: فصاح علي بأصحابه، فتقدم عمار بن ياسر في نفر من سادات أهل العسكر حتى وقف (4) بين الجمعين وصاح بالناس، فاجتمع خلق عظيم من أصحاب علي رضي الله عنه، فكبروا واحملوا على أهل الشام واختلط (5) القوم للقتال، فتضاربوا بالسيوف حتى تقطعت وصارت كالمناجل، وتطاعنوا بالرماح حتى تكسرت،. ثم جثوا على الركب فتحاثوا بعضهم في وجوه بعض، ثم تعانقوا وتكادموا ثم افترقوا وتراموا بالحصى والحجارة ثم تحاجزوا. وقد قتل من الفريقين زهاء ألف رجل.
قال: فجعل الرجل من أهل الشام يمر على الرجل من أهل العراق فيقول:
كيف آخذ إلى رايات بني فلان؟ فيقول: ههنا لا حفظك الله ولا عافاك! ويمر العراقي على الشامي فيقول: كيف آخذ إلى رايات بني فلان؟ فيقول: لا هداك الله ولا كلاك. قال. فأنشأ همام بن الأغفل الثقفي من أصحاب علي في ذلك يقول:
قد قرت العين من الفساق * ومن رؤوس الكفر والنفاق