ومدت الأعناق وطلبت الحوائج وشخصت الأبصار، اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق و أنت خير ألفا تحين! ثم إنه حمل في سواد الليل وحملت الناس معه، فكلما قتل بيده رجلا من أهل الشام كبر تكبيرة حتى أحصى له كذا كذا تكبيره. قال أبو محمد (1): أحصي له خمسمائة تكبيرة وثلاث (2) وعشرون تكبيرة (3)، في كل تكبيرة له قتيل، قال: وكان إذا علا قد وإذا وسط قط.
قال: وجعلت المشايخ من أهل الشام ينادون في تلك الغمرات: يا قوم! الله الله في البقية! الله الله في الحرم والذرية! والناس يقتتلون ليلتهم تلك حتى أصبحوا، وقد قتل من القوم تلك الليلة ستة وثلاثون ألفا من جحاجحة العرب، و ليس فيهم أحد يكيع عن صاحبه. قال: فطلعت الشمس وتعالى النهار وذلك في يوم الجمعة والسيوف تأخذ هام الرجال.
ذكر رفع المصاحف على رؤوس الرماح قال: فقال معاوية لعمرو بن العاص: الله ويحك أبا عبد الله! أين حيلك التي كنت أعرفها منك؟ فقال عمرو: تريد ماذا؟ قال: أريد أن تسكن هذه الحروب، فقد أبيد أهل الشام، وإني لأعلم إن دام هذا الحرب يومنا هذا لم يبق بأرض الشام أحد يحمل سلاحنا، فقال عمرو: إن أحببت ذلك فأمر بالمصاحف أن ترفع على رؤوس الرماح ثم ادعهم (4) إليها، فإنك إن فعلت ذلك لم يقاتل أحد أحدا، فهذه حيلتي ومكيدتي التي لم أزل أدخرها لك، فعجل برفع المصاحف، قال: فلما سمعت أهل الشام ذلك قال بعضهم لبعض: صدق عمرو، وهذه حيلة ما سبقه إليها أحد.
قال: فأمر معاوية بالمصاحف فرفعت على رؤوس الرماح، وصاح (5) أهل الشام: يا علي! يا علي! اتق الله اتق الله! أنت وأصحابك في هذه البقية، هذا