إلفهم له ما هو غير خاف. ولو كان علي حيث أسلم بالغا مقتضبا كغيره ممن عددنا، كان اسلامهم أفضل من اسلامه، لأن من أسلم وهو يعلم ان له ظهرا كأبي طالب، وردءا كبني هاشم، وموضعا في بني عبد المطلب، ليس كالحليف والمولى، والتابع والعسيف (1) وكالرجل من عرض قريش (2)، أولست تعلم ان قريشا خاصة وأهل مكة عامة لم يقدروا على أذى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان أبو طالب حيا! أيضا فان أولئك اجتمع عليهم مع فراق الإلف مشقة الخواطر، وعلي (عليه السلام) كان بحضرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يشاهد الاعلام في كل وقت، ويحضر منزل الوحي، فالبراهين له أشد انكشافا، والخواطر على قلبه أقل اعتلاجا، وعلى قدر الكلفة والمشقة يعظم الفضل ويكثر الأجر (3).
قال أبو جعفر (رحمه الله): ينبغي ان ينظر أهل الانصاف هذا الفضل، ويقفوا على قول الجاحظ والأصم في نصرة العثمانية واجتهادهم في القصد إلى فضائل هذا الرجل، وتهجينها، فمرة يبطلان معناها، ومرة يتوصلان إلى حط قدرها، فلينظر في كل باب اعترضا فيه، أين بلغت حياتهما، وما صنعا في احتيالهما في قصصهما وسجعهما! أليس إذا تأملتها علمت انها ألفاظ ملفقة بلا معنى، وانها عليها شجى وبلاء! وإلا فما عسى ان تبلغ حيلة الحاسد ويغني كيد الكائد الشانئ (4) لمن قد جل قدره عن النقص، وأضاءت فضائله إضاءة الشمس! وأين قول الجاحظ من دلائل السماء، وبراهين الأنبياء وقد علم الصغير والكبير، والعالم والجاهل ممن بلغه ذكر علي (عليه السلام)، وعلم مبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان عليا (عليه السلام) لم يولد في دار الاسلام، ولا غذي في حجر الايمان، وانما أضافه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى نفسه سنة القحط والمجاعة،