علمنا أحدا من الناس فيما خلا استخف بإسلام علي (عليه السلام)، ولا تهاون به، ولا زعم أنه أسلم إسلام حدث غرير، وطفل صغير. ومن العجب ان يكون مثل العباس وحمزة ينتظران أبا طالب وفعله، ليصدرا عن رأيه، ثم يخالفه علي ابنه لغير رغبة ولا رهبة، يؤثر القلة على الكثرة والذل على العزة من غير علم ولا معرفة بالعاقبة.
وكيف ينكر الجاحظ والعثمانية ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دعاه إلى الاسلام وكلفه التصديق!
وقد روي في الخبر الصحيح انه كلفه في مبدأ الدعوة قبل ظهور كلمة الاسلام وانتشارها بمكة أن يصنع له طعاما، وان يدعو له بني عبد المطلب، فصنع له الطعام، ودعاهم له فخرجوا ذلك اليوم، ولم ينذرهم (صلى الله عليه وآله وسلم) لكلمة قالها عمه أبو لهب، فكلفه في اليوم الثاني ان يصنع مثل ذلك الطعام وان يدعوهم ثانية، فصنعه، ودعاهم فأكلوا، ثم كلمهم (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعاهم إلى الدين، ودعاه معهم لأنه من بني عبد المطلب ثم ضمن لمن يؤازره منهم وينصره على قوله، ان يجعله أخاه في الدين، ووصيه بعد موته، وخليفته من بعده، فأمسكوا كلهم وأجابه هو وحده، وقال: أنا أنصرك على ما جئت به، وأؤازرك وأبايعك، فقال لهم لما رأى منهم الخذلان ومنه النصر، وشاهد منهم المعصية ومنه الطاعة، وعاين منهم الإباء ومنه الإجابة: " هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي " فقاموا يسخرون ويضحكون، ويقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمره عليك، فهل يكلف عمل الطعام ودعاء القوم صغير مميز وغر غير عاقل؟ وهل يؤتمن على سر النبوة طفل ابن خمس سنين أو ابن سبع؟! وهل يدعى في جملة الشيوخ والكهول إلا عاقل لبيب؟! وهل يضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده في يده ويعطيه صفقة يمينه، بالاخوة والوصية والخلافة إلا وهو أهل لذلك، بالغ حد التكليف، محتمل لولاية الله وعداوة أعدائه؟! وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه، ولم يلصق بأشكاله، ولم ير مع الصبيان في ملاعبهم