قال: النصف كثير، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كبير وكثير، قال: فأوصى الناس بالثلث، فجاز ذلك لهم ذكره في باب الوصية بالثلث (1).
(1) (فتح الباري): 5 / 464، كتاب الوصايا، باب (3) الوصية بالثلث وقال الحسن: لا يجوز للذمي وصية إلا الثلث، وقال الله عز وجل: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) [المائدة:
49]، حديث رقم (2744) قوله: (باب الوصية بالثلث) أي جوازها أو مشروعيتها، وقد سبق تقرير ذلك في الباب الذي قبله، واستقر الإجماع على منعالوصية بأزيد من الثلث، لكن اختلف فيمن كان له وارث، وسيأتي تحريره في " باب لا وصية الوارث " وفيمن لم يكن له وارث خاص فمنعه الجمهور وجوزه الحنفية وإسحق وشريك وأحمد في رواية، وهو قول علي وابن مسعود، واحتجوا بأن الوصية مطلقة بالآية فقيدتها السنة بمن له وارث فيبقى من لا وارث له على الإطلاق، وقد تقدم في الباب الذي قبله توجيه لهم آخر، واختلفوا أيضا هل يعتبر ثلث المال حال الوصية أو حال الموت؟ على قولين، وهما وجهان للشافعية أصحهما الثاني، فقال بالأول مالك وأكثر العراقيين وهو قول النجعي وعمر بن عبد العزيز، وقال بالثاني أبو حنيفة وأحمد والباقون وهو قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وجماعة من التابعين، وتمسك الأولون بأن الوصية عقد والعقود تعتبر بأولها، وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله، اعتبر ذلك حالة النذر اتفاقا، وأجيب بأن الوصية ليست عقدا من كل جهة، ولذلك لا تعتبر بها الفورية ولا القبول، وبالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع عنها والنذر يلزم بما علمه الموصي دون ما خفى غليه أو تجدد له ولم يعلم به؟ وبالأول قال الجمهور، وبالثاني قال مالك وحجة أنه لا يشترط أن يستحضر تعداد مقدار المال حالة الوصية اتفاقا، ولو كان عالما بجنسه، فلو كان العلم به شرطا لما جاز ذلك، وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصية، اختلفوا أيضا: هل يحسب الثلث من جميع المال أو تنفذ (فائدة): أول من أوصى بالثلث في الإسلام البراء بن المعرور بمهملات، أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد مات قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر، فقبله النبي صلى الله عليه وسلم ورده على ورثته، أخرجه الحاكم وابن المنذر من طريق يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن جده.
قوله: (وقال الحسن) أي البصري (لا يجوز للذمي وصية إلا بالثلث)، قال ابن بطال:
أراد البخاري بهذا الرد على من قال كالحنفية بجواز الوصية بالزيادة على الثلث لمن لا وارث له، قال: ولذلك احتج بقول الله - تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) والذي حكم به النبي صلى الله عليه وسلم من الثلث هو الحكم بما أنزل الله، فمن تجاوز ما حده فقد أتى ما نهى عنه، وقال ابن المنير: لم يرد البخاري هذا، وإنما أراد الاستشهاد بالآية على أن الذمي إذا تحاكم إلينا ورثته لا ينفذ من وصيته إلا الثلث، لأنا لا نحكم فيهم إلا بحكم الإسلام لقوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) الآية، قوله: (، عن هاشم بن هاشم) أي ابن عتبة بن أبي وقاص، وقد نزل البخاري في هذا الإسناد درجتين، لأنه يروي، عن مكي بن إبراهيم، ومكي يروي، عن هاشم المذكور، وسيأتي في مناقب سعد له بهذا الإسناد حديث، عن مكي، عن هاشم، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قوله: (فقلت يا رسول الله ادع الله أن لا يردني على عقبي) هو إشارة إلى ما تقدم من كراهية الموت بالأرض التي هاجر منها وقد تقدم توجيهه وشرحه في الباب الذي قبله، قوله: (لعل الله يرفعك) زاد أبو نعيم في (المستخرج) في روايته من وجه آخر، عن زكريا بن عدي "، عنى يقيمك من مرضك "، قوله: في هذه الرواية (قلت أوصي بالنصف؟
قال: النصف كثير) لم أر في غيرها من طرقه وصف النصف بالكثرة فكيف امتنع النصف دون الثلث؟ وجوابه أن الرواية الأخرى التي فيها جواب التي فيها جواب النصف دلت على منع النصف ولم يأت مثلها في الثلث بل اقتصر على وصفه بالكثرة، وعلل بأن إبقاء الورثة أغنياء أولى، وعلى هذا فقوله: " الثلث " خبر مبتدأ محذوف تقديره مباح، ودل قوله: " والثلث كثير " على أن الأولى أن ينقص منه، والله - تعالى - أعلم، قوله: (قال وأوصى الناس بالثلث فجاز ذلك لهم) ظاهرة أنه من قول سعد بن أبي وقاص، ويحتمل أن يكون من قول من دونه والله - تعالى - أعلم، وكان البخاري قصد بذلك الإشارة إلى أن النقص من الثلث في حديث ابن عباس للاستحباب لا للمنع منه، جمعا بين الحديثين، والله أعلم.