ثانيها: أن الأكثرين لا يجوزون استعمال اللفظ المشترك في معنييه لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز، فإن قيل: قد حكي عن الشافعي - رحمه الله - تجويزه، قيل: ممنوع صحة ذلك عنه وإنما نأخذ من قوله إذا أوصى لمواليه وله موال من فوق ومن أسفل تناول جميعهم فظن من ظن أن لفظ المولى مشترك بينهما وأنه عند الإطلاق يحمل عليهما - وليس كذلك - فإن لفظ المولى من الألفاظ المتواطئة، فالشافعي وأحمد - في ظاهر مذهبه - يقولان بدخول نوعي الموالي في هذا اللفظ، وهو عنده عام متواطئ الاشتراك.
فإن قيل: قد جاء عن الشافعي - رحمه الله - أنه قال في مفاوضة جرت له: قوله تعالى: (أو لامستم النساء) وقد قيل: يراد بالملامسة الجماع، فقال: هي محمولة على المس باليد حقيقة وعلى الجماع مجازا.
قيل: هذا لا يصح عن الشافعي ولا من درس كلامه المألوف لمن عرفه وإنما هو كلام بعض الفقهاء المتأخرين، فإذا كان معنى الصلاة هو الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم والعناية به وإظهار شرفه وفضله وحرمته - كما هو المعروف من هذه اللفظة - لم يكن لفظ الصلاة في الآية مشتركا محمولا على معنييه، بل يكون مستقلا في معنى واحد، وهذا هو الأصل في الألفاظ.
الوجه التاسع: أن الله أمر بالصلاة عليه عقيب إخباره بأنه - تعالى - هو وملائكته يصلون عليه، والمعنى إذا كان الله تعالى وملائكته يصلون على رسوله فصلوا أيضا أنتم عليه، فأنتم أحق أن تصلوا عليه وتسلموا تسليما، لإيمانكم ببركة رسالته، ويمن سفارته من الخير والشرف في الدنيا والآخرة، ومن المعلوم أنه لو غير هذا المعنى بالرحمة لم يحسن موقعه ولم يحسن النظم، فإنه يكون تقديره يصير إلى أن الله وملائكته يترحمون ويستغفرون لنبيه، فادعوا أنتم وسلموا، وهذا ليس مراد الآية قطعا، بل الصلاة المأمور بها في الآية هي الطلب من الله - تعالى - ما أخبر به من صلاته وثناء ملائكته، وهي ثناء عليه، إظهار لشرفه، وفضله، وإرادته تكريمه، وتقريبه، فهي تتضمن الخبر والطلب، وسمي هذا السؤال والدعاء منا نحن صلاة عليه لوجهين: