فأتوه بها، فجعل يشمها، فلما شم تربة مكة قال: من هاهنا جاء الحدث، فتصنتوا فإذا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد بعث (١).
وقال محمد بن إسحاق: وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن فيما تسترق من السمع، إذ كانت وهي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم، وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره (صلى الله عليه وسلم)، ولا تلقي العرب لذلك فيه بالا حتى بعثه الله، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها، فلما تقارب أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع، وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها، فرموا بالنجوم، فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من أمر الله في العباد، يقول الله تعالى لنبيه - حين بعثه وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع فعرفوا ما عرفوا وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا - (قل أوحي إلي...) فذكر الآيات، فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك، لئلا يشكل الوحي بشئ من خبر السماء فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله فيه لوقوع الحجة وقطع التهمة، فآمنوا وصدقوا، ثم ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا: ﴿يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه﴾ (2) الآية.
قال ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، أنه حدث أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمي بها هذا الحي من ثقيف، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له: عمرو بن أمية - أحد بني علاج - قال: وكان أدهى العرب وأمكرها رأيا، فقالوا له: يا عمرو! ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم؟ قال: بلى، فانظروا، فإن كانت معالم النجوم التي [يهتدى] (3) بها في البر والبحر، وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هي التي يرمى بها، فهو والله طي الدنيا وهلاكها، وهلاك هذا الخلق الذي فيها،