موصول، والنصح لك مبذول، إني آنست بأرض الشام، نفرا من آل العذام، حكاما على الحكام، يتدبرون ذا رونق من الكلام، ليس بالشعر المؤلف، ولا السجع المتكلف، فأصغيت فزجرت، وعاودت فلطفت، فقلت: بم يهيمنون، وإلام يعتزون؟ قالوا: خطاب كبار، جاء من عند الملك الجبار، فاسمع يا شصار، عن أصدق الأخبار، واسلك أوضح الآثار، تنج من أوار النار، فقلت: وما هذا الكلام؟ قالوا: فرقان بين الكفر والإيمان، رسول من مضر من أهل المدار، ابتعث فظهر. فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجا قد دثر، فيه مواعظ لمن اعتبر، ومعاذ لمن ازدجر، ألف بالآي الكبر، قلت: ومن هذا المبعوث من مضر، قالوا: أحمد خير البشر، وإن خالفت أصليت سقر، فآمنت يا جنافر، وأقبلت إليك أبادر، فجانب كل نجس كافر، وشايع كل مؤمن ظاهر، إلا فهو الفراق على تلاق، قلت: من أين أبغي هذا الدين؟ قال: من ذات الآخرين، والنفر الميامين، أهل الماء والطين، قلت: أوضح، قال: الحق بيثرب ذات النخل، والحرة ذات النعل، فهناك أهل الفضل، والطول والبذل، ثم أملس عني فبت مذعورا أراعي الصباح، فلما برق لي النور، امتطيت راحلتي وأذنت أعبدي، واحتملت بأهلي حتى وردت الجوف، فرددت الإبل على أربابها، بحولها وسقائها، وأقبلت أريد صنعاء، فأصبت بها معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعته على الإسلام، وعلمني سورا من القرآن، فمن الله علي بالهدى بعد الضلالة، والعلم بعد الجهالة (1)، وقلت في ذلك:
ألم تر أن الله عاد بفضله * فأنقذ من لفح الرحيج جنافرا وكشفه لي جحمتي عما هما * وأوضح لي نهجي وقد كان داثرا دعاني شصار للتي لو رفضتها * لأصليت جمرا من لظى الهوف واهرا فأصبحت والإسلام حشو جوانحي * وجانبت من أمسى عن الحق بائرا وكان مضلي من هديت برشده * فلله مغو عاد بالرشد آمرا نجوت بحمد الله من كل قحمة * تورث هلكا يوم شايعت شاصرا