وعدة هذه الأناجيل الأربعة تسعة آلاف واثنان وستون آية، وليس أحد من النصارى يزعم أن هذه الأناجيل الأربعة منزلة من عند الله على المسيح، ولا أن المسيح أتى بها، بل كلهم يرى فيها ما قلنا.
ولا يستريب عالم في أن التبديل والتحريف تطرق إلى لفظها إلى معناها، وهذه الأناجيل الأربعة يخالف بعضها بعضا ومتناقضة، كما ذكر فيها قصة صلب عيسى، وكيف تكون في الإنجيل الذي أنزل الله على المسيح قصة صلبه وما جرى له، وأنه أصابه كذا وكذا، وصلب يوم كذا وكذا، وقام من القبر، وغير ذلك مما هو من كلام شيوخ النصارى.
والإنجيل على قولهم نزل على المسيح قبل صلبه بزعمهم، وغايته أن يكون من كلام الحواريين ثلاثة أناجيل، وسموا الجميع إنجيلا وفيها ذكر القول ونقيضه، فمنها أنه قال: إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق غير مقبولة، ولكن غيري يشهد لي.
وقال في موضع آخر: إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق، لأني أعلم من أين جئت، وإلى أين أذهب. ومنها أنه لما استشعر بوثوب اليهود عليه قال: جزعت نفسي الآن فماذا أقول يا أبتاه، سلمني من هذا الموقف.
ومنها أنه لما رفع على خشبة الصلب صاح صياحا عظيما وقال: يا إلهي؟ لم أسلمتني؟ فكيف تجمع هذا مع قولهم: إنه هو الذي اختار نفسه إلى اليهود يصلبوه ويقتلوه، رحمة منه بعباده حتى فداهم بنفسه من الخطايا، وأخرج بذلك آدم ونوحا وإبراهيم موسى وجميع الأنبياء عليهم السلام، من جهنم بالحيلة التي دبرها على إبليس.
وكيف يبتلى إله العالم بذلك، وكيف يسأل السلامة منه، وهو الذي اختاره ورضيه، وكيف يشتد صياحه ويقول: يا إلهي؟ لم أسلمتني؟ وهو الذي أسلم نفسه، وكيف لم يخلصه أبوه مع قدرته على تخليصه، وإنزال صاعقة على الصليب وأهله؟ أم كان ربا عاجزا مقهورا مع اليهود؟ جل الله عن قولهم.
ولو أتينا بهم حرفوه في الإنجيل لأتينا به أو غالبه، غير أن الله تعالى صرفهم عن بضع وثلاثين موضعا فيها بشارات بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما إليه ليكون حجة عليهم.