نائب اليمن قد أرسلها من اليمن إلى يزيد بن معاوية، عليها ورس (1) وحلل كثيرة، فأخذها الحسين وانطلق بها، واستأجر أصحاب الجمال عليها إلى الكوفة، ودفع إليهم أجرتهم، ثم ساق أبو مخنف باسناده الأول أن الفرزدق لقي الحسين في الطريق (2) فسلم عليه وقال له: أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب. فسأله الحسين عن أمر الناس وما وراءه فقال له: قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء. فقال له: صدقت، لله الامر من قبل ومن بعد، يفعل ما يشاء، وكل يوم ربنا في شأن، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه. وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يتعد من كان الحق نيته، والتقوى سريرته، ثم حرك الحسين راحلته وقال: السلام عليكم ثم افترقا. وقال هشام بن الكلبي عن عوانة بن الحكم عن ليطة بن غالب بن الفرزدق عن أبيه. قال: حججت بأمي فبينما أنا أسوق بها بعيرها حين دخلت الحرم في أيام الحج، وذلك في سنة ستين، إذ لقيت الحسين خرجا من مكة معه أسيافه وأتراسه، فقلت له: بأبي وأمي يا بن رسول الله، ما أعجلك عن الحج؟ فقال: لو لم أعجل لاخذت، ثم سألني: ممن أنت؟ فقلت: امرؤ من العراق، فسألني عن الناس فقلت له: القلوب معك والسيوف مع بني أمية، وذكر نحو ما تقدم.
قال الفرزدق: وسألت الحسين عن أشياء وعن المناسك فأخبرني بها، قال: وإذا هو ثقيل اللسان من برسام (3) كان أصابه بمن بالعراق. قال: ثم مضيت فإذا فسطاط مضروب في الحرم وهيئة حسنة، فإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص، فسألني فأخبرته أني لقيت الحسين، قال:
فهلا اتبعته؟ فإن الحسين لا يحيك فيه السلاح ولا يجوز فيه وفي أصحابه. فندم الفرزدق وهم أنه يلحق به، ووقع في قلبه مقالة ابن عمرو، ثم ذكرت الأنبياء وقتلهم فصدني ذلك عن اللحاق به، فلما بلغه أنه قتل لعن ابن عمرو، وكان ابن عمرو يقول: والله لا تبلغ الشجرة ولا النخلة ولا الصغير حتى يبلغ هذا الامر ويظهر، وإنما أراد ابن عمرو بقوله: لا يحيك فيه السلاح، أي السلاح الذي لم يقدر أن يقتل به، وقيل غير ذلك وقيل أراد الهزل بالفرزدق. قالوا: ثم سار الحسين لا يلوي على شئ حتى نزل ذات عرق (4).