قال أبو مخنف: فحدثني الحارث بن كعب الوالبي، عن علي بن الحسين بن علي. قال: لما خرجنا من مكة كتب عبد الله بن جعفر إلى الحسين مع ابنه عون ومحمد: أما بعد فإني أسائلك بالله لما انصرفت حتى تنظر في كتابي هذا، فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم طفئ نور الاسلام (1)، فإنك علم المهتدين، ورجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي والسلام (2). ثم نهض عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد نائب مكة فقال له: اكتب إلى الحسين كتابا تجعل له فيه الأمان، وتمنيه في البر والصلة، وتوثق له في كتابك، وتسأله الرجوع لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع. فقال له عمرو:
اكتب عني ما شئت وأتني به حتى أختمه. فكتب ابن جعفر على لسان عمرو بن سعيد ما أراد عبد الله، ثم جاء بالكتاب إلى عمرو فختمه بخاتمه، وقال عبد الله لعمرو بن سعيد: ابعث معي أمانك، فبعث معه أخاه يحيى، فانصرفا حتى لحقا الحسين فقرءا عليه الكتاب فأبى أن يرجع وقال:
إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقد أمرني فيها بأمر وأنا ماض له، فقالا: وما تلك الرؤيا؟
فقال: لا أحدث بها أحدا حتى ألقى ربي عز وجل.
قال أبو مخنف: وحدثني محمد بن قيس أن الحسين أقبل حتى إذا بلغ الحاجر من بطن ذي الرمة (3)، بعث قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة، وكتب معه إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا، والطلب بحقنا، فنسأل الله أن يحسن لنا الصنيع، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الاجر، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فاكتموا (4) أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قال: وكان كتاب مسلم قد وصل إليه قبل أن يقتل سبع وعشرين ليلة، ومضمونه: أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله، وإن جميع أهل الكوفة معك، فأقبل حين تقرأ كتابي هذا والسلام عليكم.
قال: وأقبل قيس بن مسهر الصيداوي بكتاب الحسين إلى الكوفة، حتى إذا انتهى إلى القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى عبيد الله بن زياد فقال له ابن زياد: اصعد إلى أعلا القصر فسب الكذاب ابن الكذاب علي بن أبي طالب وابنه الحسين، فصعد فحمد الله وأثنى عليه