تقول؟ فقال: أنت الأمير والرأي رأيك، فقال عمرو بن الحجاج بن سلمة الزبيدي: سبحان الله! والله لو سألكم ذلك رجل من الديلم لكان ينبغي إجابته. وقال قيس بن الأشعث: أجبهم إلى ما سألوك، فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة، وهكذا جرى الامر، فإن الحسين لما رجع العباس قال له: ارجع فارددهم هذه العشية لعلنا نصلي لربنا هذه الليلة ونستغفره وندعوه، فقد علم الله مني أني أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، والاستغفار والدعاء. وأوصى الحسين في هذه الليلة إلى أهله، وخطب أصحابه في أول الليل فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على رسوله بعبارة فصيحة بليغة، وقال لأصحابه: من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له فإن القوم إنما يريدونني. فقال مالك بن النضر: علي دين ولي عيال، فقال هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه حجلا، ليأخذ كل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم اذهبوا في بسيط الأرض في سواد هذا الليل إلى بلادكم ومدائنكم، فإن القوم إنما يريدونني، فلو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري، فاذهبوا حتى يفرج الله عز وجل. فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه: لا بقاء لنا بعدك، ولا أرانا فيك ما نكره، فقال الحسين: يا بني عقيل حسبكم بمسلم أخيكم، اذهبوا فقد أذنت لكم، قالوا: فما تقول الناس إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، لم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، رغبة في الحياة الدنيا، لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك. فقبح الله العيش بعدك. وقال نحو ذلك مسلم بن عوسجة الأسدي، وكذلك قال سعيد بن عبد الله الحنفي: والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك، والله لو علمت أني أقاتل دونك ألف قتلة، وأن الله يدفع بذلك القتل عنك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك، لأحببت ذلك، وإنما هي قتلة واحدة. وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا من وجه واحد، فقالوا: والله لا نفارقك، وأنفسنا الفداء لك، نقيك بنحورنا وجباهنا، وأيدينا وأبداننا، فإذا نحن قتلنا وفينا وقضينا ما علينا. وقال أخوه العباس: لا أرانا الله يوم فقدك ولا حاجة لنا في الحياة بعدك. وتتابع أصحابه على ذلك.
وقال أبو مخنف: حدثني الحارث بن كعب وأبو الضحاك عن علي بن الحسين زين العابدين. قال: إني لجالس تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها، وعمتي زينب تمرضني إذا اعتزل أبي في خبائه ومعه أصحابه، وعنده حوي مولى أبي ذر الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:
يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والأصيل من صاحب أو طالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل وإنما الامر إلى الجليل * وكل حي سالك السبيل