ولي معاوية ولاه العراق فلم يصل إليها خالد رحمه الله، ثم إن عليا لما رأى الميمنة قد اجتمعت رجع إلى الناس فأنب بعضهم وعذر بعضهم وحرض الناس وثبتهم ثم تراجع أهل العراق فاجتمع شملهم ودارت رحى الحرب بينهم وجالوا في الشاميين وصالوا، وتبارز الشجعان فقتل خلق كثير من الأعيان من الفريقين فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقيل ممن قتل في هذا اليوم عبيد الله بن عمر بن الخطاب من الشاميين، واختلفوا فيمن قتله من العراقيين (1)، وقد ذكر إبراهيم بن الحسين بن ديزيل أن عبيد الله لما خرج يومئذ أميرا على الحرب أحصر امرأتيه أسماء بنت عطارد بن حاجب التميمي وبحرية بنت هانئ بن قبيصة الشيباني - فوقفتا وراءه في راحلتين لينظرا إلى قتاله وشجاعته وقوته، فواجهته من جيش العراقيين ربيعة الكوفة وعليهم زياد بن خصفة التميمي، فشدوا عليه شدة رجل واحد فقتلوه بعدما ما انهزم عنه أصحابه، ونزلت ربيعة فضربوا لأميرهم خيمة فبقي طنب منها لم يجدوا له وتدا فشدوه برجل عبيد الله، وجاءت امرأتاه يولولان حتى وقفتا عليه وبكتا عنده، وشفعت امرأته بحرية إلى الأمير فأطلقه لهما فاحتملتاه معهما في هودجهما وقتل معه أيضا ذو الكلاع، قال الشعبي: ففي مقتل عبيد الله بن عمر يقول كعب بن جعيل التغلبي:
ألا إنما تبكي العيون لفارس * بصفين ولت (2) خيله وهو واقف تبدل من أسماء أسياف وائل * وكان فتى لو أخطأته المتالف تركن عبيد الله بالقاع ثاويا * تسيل دماه والعروق نوازف (3) ينوء ويغشاه شآبيب من دم (4) * كما لاح من جيب القميص الكفائف وقد صبرت حول ابن عم محمد (5) * لدى الموت أرباب (6) المناقب شارف فما برحوا حتى رأى الله صبرهم * وحتى رقت فوق الأكف المصاحف