منها نحو المدائن فلقوا جمعا آخر من الفرس فاقتتلوا قتالا شديدا وبارزوا أمير الفرس، وهو شهريار، فبرز إليه رجل من المسلمين يقال له نائل الأعرجي أبو نباتة من شجعان بني تميم، فتجاولا ساعة بالرماح، ثم ألقياها فانتضيا سيفيهما وتصاولا بهما، ثم تعانقا وسقطا عن فرسيهما إلى الأرض، فوقع شهريار على صدر أبي نباتة، وأخرج خنجرا ليذبحه بها، فوقعت أصبعه في فم أبي نباتة فقضمها حتى شغله عن نفسه، وأخذ الخنجر فذبح شهريار بها وأخذ فرسه وسواريه وسلبه، وانكشف أصحابه فهزموا، فأقسم سعد على نائل ليلبس سواري شهريار وسلاحه، وليركبن فرسه إذا كان حرب فكان يفعل ذلك. قالوا: وكان أول من تسور بالعراق، وذلك بمكان يقال له كوثى (1). وزار المكان الذي حبس فيه الخليل وصلى عليه وعلى سائر الأنبياء، وقرأ * (وتلك الأيام نداولها بين الناس) * الآية [آل عمران: 140].
وقعة نهر شير (2) قالوا: ثم قدم سعد زهرة بين يديه من كوثى إلى نهرشير فمضى إلى المقدمة وقد تلقاه شيرزاذ (3) إلى ساباط بالصلح والجزية فبعثه إلى سعد فأمضاه، ووصل سعد بالجنود إلى مكان يقال له مظلم ساباط، فوجدوا هنالك كتائب كثيرة لكسرى يسمونها بوران، وهم يقسمون كل يوم لا يزول ملك فارس ما عشنا، ومعهم أسد كبير لكسرى يقال له المقرط، قد أرصدوه في طريق المسلمين فتقدم إليه ابن أخي سعد، وهو هاشم بن عتبة، فقتل الأسد والناس ينظرون وسمى يومئذ سيفه المتين (4) وقبل سعد يومئذ رأس هاشم، وقبل هاشم قدم سعد (5). وحمل هاشم على الفرس فأزالهم عن أماكنهم وهزمهم وهو يتلو قوله تعالى * (أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال) * فلما كان الليل ارتحل المسلمون ونزلوا نهر شير فجعلوا كلما وقفوا كبروا وكذلك حتى كان آخرهم مع سعد فأقاموا بها شهرين ودخلوا في الثالث وفرغت السنة.
قال ابن جرير: وفيها حج بالناس عمر وكان عامله فيها على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الشام أبو عبيدة، وعلى الكوفة والعراق سعد، وعلى الطائف يعلى بن أمية (6) وعلى البحرين