ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان لما وقع ما وقع يوم الجمعة، وشج أمير المؤمنين عثمان، وهو في رأس المنبر، وسقط مغشيا عليه، واحتمل إلى داره وتفاقم الامر، وطمع فيه أولئك الأجلاف الأخلاط من الناس، وألجأوه إلى داره وضيقوا عليه، وأحاطوا بها محاصرين له، ولزم كثير من الصحابة بيوتهم، وسار إليه جماعة من أبناء الصحابة، عن أمر آبائهم، منهم الحسن والحسين، وعبد الله بن الزبير - وكان أمير الدار - وعبد الله بن عمرو، وصاروا، يحاجون عنه، ويناضلون دونه أن يصل إليه أحد منهم، وأسلمه بعض الناس رجاء أن يجيب أولئك إلى واحدة مما سألوا، فإنهم كانوا قد طلبوا منه إما أن يعزل نفسه، أو يسلم إليهم مروان بن الحكم، ولم يقع في خلد أحد أن القتل كان في نفس الخارجين. وانقطع عثمان عن المسجد فكان لا يخرج إلا قليلا في أوائل الامر، ثم انقطع بالكلية في آخره، وكان يصلي بالناس في هذه الأيام الغافقي بن حرب. وقد استمر الحصر أكثر من شهر، وقيل أربعين يوما، حتى كان آخر ذلك أن قتل شهيدا رضي الله عنه، على ما سنبينه إن شاء الله تعالى. والذي ذكره ابن جرير أن الذي كان يصلي بالناس في هذه المدة وعثمان محصور، طلحة بن عبيد الله. وفي صحيح البخاري عن (1). وروى الواقدي أن عليا صلى أيضا، وصلى أبو أيوب، وصل بهم سهل بن حنيف، وكان يجمع بهم علي، وهو الذي صلى بهم بعد، وقد خاطب الناس في غبوب ذلك بأشياء، وجرت أمور سنورد منها ما تيسر وبالله المستعان.
قال الإمام أحمد: حدثنا بهز ثنا أبو عوانة ثنا حصين عن عمرو بن جاوان قال: قال الأحنف انطلقنا حجاجا فمررنا بالمدينة، فبينا نحن في منزلنا إذ جاءنا آت فقال: الناس في المسجد، فانطلقت أنا وصاحبي، فإذا الناس مجتمعون على نفر في المسجد، قال: فتخللتهم حتى قمت عليهم، فإذا علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص، قال: فلم يكن ذلك بأسرع من أن جاء عثمان يمشي، فقال: ههنا علي؟ قالوا: نعم! قال: ههنا الزبير؟ قالوا: نعم!
قال: ههنا طلحة؟ قالوا: نعم! قال: ههنا سعد بن أبي وقاص؟ قالوا: نعم! قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له فابتعته فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني قد ابتعته، فقال: " اجعله في مسجدنا وأجره لك " قالوا: نعم! قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من يبتاع بئر رومة " فابتعتها بكذا وكذا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني قد ابتعتها - يعني بئر رومة - قال:
" اجعلها سقاية للمسلمين ولك أجرها " قالوا: نعم! قال: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر في وجوه القوم يوم جيش العسرة فقال: " من يجهز هؤلاء غفر الله