الناس بالشام أبدأ بها فأقسم المواريث وأقيم لهم ما في نفسي، ثم أرجع فأتقلب في البلاد وأنبذ إليهم أمري. قالوا: فأتى عمر الشام أربع مرات مرتين في سنة ست عشرة، ومرتين في سنة سبع عشرة، ولم يدخلها في الأولى من الأخريين. وهذا يقتضي ما ذكرناه عن سيف أنه يقول بكون طاعون عمواس في سنة سبع عشرة. وقد خالفه محمد بن إسحاق وأبو معشر وغير واحد، فذهبوا إلى أنه كان في سنة ثماني عشرة. وفيه توفي أبو عبيدة ومعاذ ويزيد بن أبي سفيان، وغيرهم من الأعيان، على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
شئ من أخبار طاعون عمواس الذي توفي فيه أبو عبيدة ومعاذ ويزيد بن أبي سفيان وغيرهم من أشراف الصحابة وغيرهم.
أورده ابن جرير في هذه السنة.
قال محمد بن إسحاق عن شعبة عن المختار (1) بن عبد الله البجلي عن طارق بن شهاب البجلي. قال: أتينا أبا موسى وهو في داره بالكوفة لنتحدث عنده فلما جلسنا قال: لا تحفوا فقد أصيب في الدار إنسان بهذا السقم، ولا عليكم أن تتنزهوا عن هذه القرية فتخرجوا في فسيح بلادكم ونزهها، حتى يرتفع هذا البلاء، فإني سأخبركم بما يكره مما يتقى. من ذلك أن يظن من خرج أنه لو قام مات، ويظن من أقام فأصابه ذلك أنه لو خرج لم يصبه، فإذا لم يظن ذلك هذا المرء المسلم فلا عليه أن يخرج وأن يتنزه عنه، إني كنت مع أبي عبيدة بن الجراح بالشام عام طاعون عمواس، فلما اشتعل الوجع وبلغ ذلك عمر كتب إلى أبي عبيدة ليستخرجه منه: أن سلام عليك أما بعد فإنه قد عرضت لي إليك حاجة أريد أن أشافهك بها، فعزمت عليك إذا نظرت في كتابي هذا أن لا تضعه من يدك حتى تقبل إلي: قال فعرف أبو عبيدة أنه إنما أراد أن يستخرجه من الوباء، فقال: يغفر الله لأمير المؤمنين. ثم كتب إليه يا أمير المؤمنين إني قد عرفت حاجتك إلي، وإني في جند من المسلمين لا أجد بنفسي رغبة عنهم، فلست أريد فراقهم حتى يقضي الله في وفيهم أمره وقضاءه، فخلني من عزمتك يا أمير المؤمنين، ودعني في جندي. فلما قرأ عمر الكتاب بكى فقال الناس: يا أمير المؤمنين أمات أبو عبيدة؟ قال: لا، وكأن قد. قال: ثم كتب إليه " سلام عليك أما بعد فإنك أنزلت الناس أرضا عميقة فارفعهم إلى أرض مرتفعة نزهة " قال أبو موسى:
فلما أتاه كتابه دعاني فقال: يا أبا موسى، إن كتاب أمير المؤمنين قد جاءني بما ترى، فأخرج فارتد للناس منزلا حتى أتبعك بهم، فرجعت إلى منزلي لأرتحل فوجدت صاحبتي قد أصيبت، فرجعت إليه وقلت: والله لقد كان في أهلي حدث. فقال: لعل صاحبتك قد أصيبت؟ قلت: نعم، فأمر ببعير فرحل فلما وضع رجله في غرزه طعن فقال: والله لقد أصبت، ثم سار بالناس حتى نزل