ولما شرع الاذان بالمدينة كان هو الذي يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أم مكتوم يتناوبان، تارة هذا وتارة هذا، وكان بلال ندي الصوت حسنه، فصيحا، وما يروى " أن سين بلال عند الله شيئا " فليس له أصل. وقد أذن يوم الفتح على ظهر الكعبة. ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الاذان، ويقال أذن للصديق أيام خلافته ولا يصح. ثم خرج إلى الشام مجاهدا، ولما قدم عمر إلى الجابية أذن بين يديه بعد الخطبة لصلاة الظهر، فانتحب الناس بالبكاء. وقيل إنه زار المدينة في غضون ذلك فأذن فبكى الناس بكاء شديدا ويحق لهم ذلك، رضي الله عنهم. وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال " إني دخلت الجنة فسمعت خشف نعليك أمامي فأخبرني بأرجى عمل عملته ". فقال: ما توضأت إلا وصليت ركعتين. " فقال بذاك " وفي رواية " ما أحدثت إلا توضأت وما توضأت إلا رأيت أن علي أن أصلي ركعتين " قالوا: وكان بلال آدم شديد الأدمة طويلا نحيفا كثير الشعر خفيف العارضين. قال ابن بكير: توفي بدمشق في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة.
وقال محمد بن إسحاق وغير واحد: توفي سنة عشرين. قال الواقدي: ودفن بباب الصغير وله بضع وستون سنة. وقال غيره: مات بداريا ودفن بباب كيسان. وقيل دفن بداريا، وقيل إنه مات بحلب. والأول أصح والله أعلم.
سعيد بن عامر بن خذيم من أشراف بني جمح، شهد خيبر وكان من الزهاد والعباد، وكان أميرا لعمر على حمص بعد أبي عبيدة، بلغ عمر أنه قد أصابته جراحة شديدة، فأرسل إليه بألف دينار فتصدق بها جميعها، وقال لزوجته: أعطيناها لمن يتجر لنا فيها رضي الله عنه. قال خليفة: فتح هو ومعاوية فيسارية كل منهما أمير على من معه.
عياض بن غنم أبو سعد الفهري من المهاجرين الأولين، شهد بدرا وما بعدها، وكان سمحا جوادا، شجاعا، وهو الذي افتتح الجزيرة، وهو أول من جاز درب الروم غازيا، واستنابه أبو عبيدة بعده على الشام فأقره عمر عليها إلى أن مات سنة عشرين عن ستين سنة.
أبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل اسمه المغيرة. أسلم عام الفتح فحسن إسلامه جدا وكان قبل ذلك من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى دينه ومن تبعه، وكان شاعرا مطيقا يهجو الاسلام وأهله، وهو الذي رد عليه حسان بن ثابت رضي الله عنه في قوله: