الصديق إلى ملك الروم. وكان من الفرسان. وقتل بأجنادين، وقيل باليرموك، والأول أصح والله أعلم * أبو بكر الصديق رضي الله عنه تقدم وله ترجمة مفردة ولله الحمد.
سنة أربع عشرة من الهجرة استهلت هذه السنة والخليفة عمر بن الخطاب يحث الناس ويحرضهم على جهاد أهل العراق، وذلك لما بلغه من قتل أبي عبيد يوم الجسر، وانتظام شمل الفرس، واجتماع أمرهم على يزدجرد الذي أقاموه من بيت الملك، ونقض أهل الذمة بالعراق عهودهم، ونبذهم المواثيق التي كانت عليهم، وآذوا المسلمين وأخرجوا العمال من بين أظهرهم. وقد كتب عمر إلى من هنالك من الجيش أن يتبرزوا من بين أظهرهم إلى أطراف البلاد. قال ابن جرير رحمه الله. وركب عمر رضي الله عنه في أول يوم من المحرم هذه السنة في الجيوش من المدينة فنزل على ماء يقال له صرار، فعسكر به عازما على غزو العراق بنفسه واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب، واستصحب معه عثمان بن عفان وسادات الصحابة. ثم عقد مجلسا لاستشارة الصحابة فيما عزم عليه، ونودي أن الصلاة جامعة، وقد أرسل إلى علي فقدم من المدينة، ثم استشارهم فكلهم وافقوه على الذهاب إلى العراق، إلا عبد الرحمن بن عوف (1) فإنه قال له: إني أخشى إن كسرت أن تضعف المسلمون في سائر أقطار الأرض، وإني أرى أن تبعث رجلا وترجع أنت إلى المدينة فارثا (2) عمر والناس عند ذلك واستصوبوا رأي ابن عوف. فقال عمر: فمن ترى أن نبعث إلى العراق (3)؟ فقال: قد وجدته. قال ومن هو؟ قال الأسد في براثنه سعد بن مالك الزهري.
فاستجاد قوله وأرسل إلى سعد فأمره على العراق وأوصاه فقال: يا سعد بن وهيب (4) لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فإن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، وإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربهم وهم عباده، يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عند الله بالطاعة، فانظر الامر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا عليه فألزمه، فإنه الامر. هذه عظتي إياك، إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك وكنت من الخاسرين. ولما أراد فراقه قال له: إنك ستقدم على أمر شديد، فالصبر الصبر على ما أصابك ونابك، تجمع لك خشية الله، واعلم أن خشية الله تجتمع في أمرين، في طاعته واجتناب معصيته، وإنما طاعة من أطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة، وإنما عصيان من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة. وللقلوب حقائق ينشئها الله إنشاء، منها السر