غزوة الأندلس لما افتتحت إفريقية بعث عثمان إلى عبد الله بن نافع بن عبد قيس وعبد الله بن نافع بن الحصين الفهريين من فورهما إلى الأندلس فأتياها من قبل البحر، وكتب عثمان إلى الذين خرجوا إليها يقول: إن القسطنطينية إنما تفتح من قبل البحر (1)، وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتتح قسطنطينية في الاجر آخر الزمان والسلام، قال فساروا إليها فافتتحوها ولله الحمد والمنة.
وقعة جرجير والبربر مع المسلمين لما قصد المسلمون وهم عشرون ألفا إفريقية، وعليهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وفي جيشه عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، صمد إليهم ملك البربر جرجير (2) في عشرين ومائة ألف، وقيل في مائتي ألف، فلما تراءى الجمعان أمر جيشه فأحاطوا بالمسلمين هالة، فوقف المسلمون في موقف لم ير أشنع منه ولا أخوف عليهم منه، قال عبد الله بن الزبير: فنظرت إلى الملك جرجير من وراء الصفوف وهو راكب على برذون، وجاريتان تظلانه بريش الطواويس، فذهبت إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح فسألته أن يبعث معي من يحمي ظهري وأقصد الملك، فجهز معي جماعة من الشجعان، قال فأمر بهم فحموا ظهري وذهبت حتى خرقت الصفوف إليه - وهم يظنون أني في رسالة إلى الملك - فلما اقتربت منه أحس مني الشر ففر على برذونه، فلحقته فطعنته برمحي، وذففت عليه بسيفي، وأخذت رأسه فنصبته على رأس الرمح وكبرت، فلما رأى ذلك البربر فرقوا وفروا كفرار القطا، واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون فغنموا غنائم جمة وأموالا كثيرة، وسبيا عظيما، وذلك ببلد يقال له سبيطلة - على يومين من القيروان - فكان هذا أول موقف اشتهر فيه أمر عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وعن أبيه وأصحابهما أجمعين (3).
قال الواقدي: وفي هذه السنة افتتحت إصطخر ثانية على يدي عثمان بن أبي العاص، وفيها غزا معاوية قنسرين، وفيها حج بالناس عثمان بن عفان. قال ابن جرير قال بعضهم وفي هذه السنة غزا معاوية قبرص، وقال الواقدي: كان ذلك في سنة ثمان وعشرين. وقال أبو معشر: غزاها معاوية سنة ثلاث وثلاثين فالله أعلم.