لبيد بن كرز البجلي، وجعل على أهل حمص ذا الكلاع وعلى أهل فلسطين مسلمة بن مخلد (1) وقام معاوية في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! والله ما أصبت الشام إلا بالطاعة ولا أضبط حرب أهل العراق إلا بالصبر ولا أكابد أهل الحجاز إلا باللطف، وقد تهيأتم وسرتم لتمنعوا الشام وتأخذوا العراق، وسار القوم ليمنعوا العراق ويأخذوا الشام ولعمري ما للشام رجال العراق ولا أموالها، ولا للعراق خبرة أهل الشام ولا بصائرها، مع أن القوم وبعدهم أعدادهم، وليس بعدكم غيركم فإن غلبتموهم لم تغلبوا إلا من أناتكم وإن غلبوكم غلبوا من بعدكم والقوم لاقوكم بكيد أهل العراق، ورقة أهل اليمن وبصائر أهل الحجاز، وقسوة أهل مصر، وإنما ينصر غدا من ينصر اليوم * (استعينوا بالله واصبروا إن الله مع الصابرين) * [الأعراف: 128] وقد بلغ عليا خطبة معاوية فقام في أصحابه فحرضهم على الجهاد ومدحهم بالصبر وشجعهم بكثرتهم بالنسبة إلى أهل الشام، قال جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر وزيد بن أنس وغيرهما قالوا: سار علي في مائة وخمسين ألفا من أهل العراق وأقبل معاوية في نحو منهم من أهل الشام. وقال غيرهم: أقبل علي في مائة ألف أو يزيدون، وأقبل معاوية في مائة ألف وثلاثين ألفا - رواها ابن ديزيل في كتابه - وقد تعاقد جماعة من أهل الشام على أن لا يفروا فعقلوا أنفسهم بالعمائم، وكان هؤلاء خمسة صفوف ومعهم ستة صفوف آخرين وكذلك أهل العراق كانوا أحد عشر صفا أيضا فتواقفوا على هذه الصفة أول يوم من صفر وكان ذلك يوم الأربعاء، وكان أمير الحرب يومئذ للعراقيين الأشتر النخعي، وأمير الحرب يومئذ للشاميين حبيب بن مسلمة، فاقتتلوا ذلك اليوم قتالا شديدا ثم تراجعوا من آخر يومهم وقد انتصف بعضهم من بعض وتكافؤا في القتال ثم أصبحوا من الغد يوم الخميس وأمير حرب أهل العراق هاشم بن عتبة، وأمير الشاميين يومئذ أبا الأعور السلمي فاقتتلوا قتالا شديدا تحمل الخيل على الخيل والرجال على الرجال ثم تراجعوا من آخر يومهم وقد صبر كل من الفريقين للآخر وتكافؤا ثم خرج في اليوم الثالث - وهو يوم الجمعة - عمار بن ياسر من ناحية أهل العراق وخرج إليه عمرو بن العاص في الشاميين فاقتتل الناس قتالا شديدا وحمل على عمار عمرو بن العاص فأزاله عن موقفه وبارز زياد بن النضر الحارثي وكان على الخيالة رجلا (2) فلما توقفا تعارفا فإذا هما أخوان من أم، فانصرف كل واحد منهما إلى قومه وترك صاحبه، وتراجع الناس من العشي وقد صبر كل فريق لصاحبه، وخرج في اليوم الرابع - وهو يوم السبت - محمد بن علي - وهو ابن الحنفية - ومعه جمع عظيم فخرج إليه في كثير من جهة الشاميين عبيد الله بن عمر، فاقتتل الناس قتالا شديدا، وبرز عبيد الله بن عمر فطلب من ابن الحنفية أن يبرز إليه فبرز إليه؟ فلما كادا أن يقتربا قال علي: من المبارز؟ قالوا محمد ابنك وعبيد الله، فيقال إن عليا حرك دابته وأمر ابنه أن يتوقف وتقدم إلى عبيد الله فقال له: تقدم إلي فقال
(٢٩٠)