سواه. فقال: أجهز لك جيشا من الشام يكونون عندك ينصرونك؟ فقال: إني أخشى أن أضيق بهم بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه من المهاجرين والأنصار. قال معاوية: فوالله يا أمير المؤمنين لتغتالن - أو قال: لتغزين - فقال عثمان: حسبي الله ونعم الوكيل. ثم خرج معاوية من عنده وهو متقلد السيف وقوسه في يده، فمر على ملا من المهاجرين والأنصار، فيهم علي بن أبي طالب، وطلحة، والزبير، فوقف عليهم واتكأ على قوسه وتكلم بكلام بليغ يشتمل على الوصاة بعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، والتحذير من إسلامه إلى أعدائه، ثم انصرف ذاهبا. فقال الزبير: ما رأيته أهيب في عيني من يومه هذا. وذكر ابن جرير أن معاوية استشعر الامر لنفسه من قدمته هذه إلى المدينة، وذلك أنه سمع حاديا يرتجز في أيام الموسم في هذا العام وهو يقول:
قد علمت ضوامر المطي * وضمرات عوج القسي أن الأمير بعده علي * وفي الزبير خلف رضي وطلحة الحامي لها ولي فلما سمعها معاوية لم يزل ذلك في نفسه حتى كان ما كان على ما سنذكره في موضعه إن شاء الله وبه الثقة. قال ابن جرير: وفي هذه السنة مات أبو عبس بن جبير (1) بالمدينة وهو بدري. ومات أيضا مسطح بن أثاثة. وغافل بن البكير. وحج بالناس في هذه السنة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه.
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان وكان السبب في ذلك أن عمرو بن العاص حين عزله عثمان عن مصر ولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح. وكان سبب ذلك أن الخوارج من المصريين كانوا محصورين من عمرو بن العاص، مقهورين معه لا يستطيعون أن يتكلموا بسوء في خليفة ولا أمير فما زالوا حتى شكوه إلى عثمان لينزعه عنهم ويولي عليهم من هو ألين منه. فلم يزل ذلك دأبهم حتى عزل عمرا عن الحرب وتركه على الصلاة، وولى على الحرب والخراج عبد الله بن سعد بن أبي سرح. ثم سعوا فيما بينهما بالنميمة فوقع بينهما، حتى كان بينهما كلام قبيح. فأرسل عثمان فجمع لابن أبي سرح جميع عمالة مصر، خراجها وحربها وصلاتها، وبعث إلى عمرو يقول له: لا خير لك في المقام عند من يكرهك، فأقدم إلي، فانتقل عمرو بن العاص إلى المدينة وفي نفسه من عثمان أمر عظيم وشر كبير فكلمه فيما كان من أمره بنفس، وتقاولا في ذلك، وافتخر عمرو بن العاص بأبيه على عثمان، وأنه كان أعز منه. فقال له عثمان: دع هذا فإنه من أمر الجاهلية. وجعل عمرو بن العاص يؤلب