العقبان يعيدون العمران خرابا ويتركون القرى وحشة، فيا ويل أيليا وسكانها كيف أذللهم للقتل وأسلط عليهم السبا وأعيد بعد لجب الأعراس صراخا، وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب، وبعد شرافات القصور مساكن السباع وبعد ضوء السرج وهج العجاج وبالعز ذلا وبالنعمة العبودية وأبدلن نساءهم بعد الطيب التراب. وبالمشي على الزرابي الخبب، ولأجعلن أجسادهم زبلا للأرض وعظامهن ضاحية للشمس ولأدوسنهم بألوان العذاب، ثم لآمرن السماء فتكون طبقا من حديد والأرض سبيكة من نحاس، فإن أمطرت لم تنبت الأرض، وإن أنبتت شيئا في خلال ذلك فبرحمتي للبهائم. ثم أحبسه في زمان الزرع وأرسله في زمان الحصاد، فإن زرعوا في خلال ذلك شيئا سلطت عليه الآفة فإن خلص منه شئ نزعت منه البركة، فإن دعوتي لم أجبهم، وإن سألوا لم أعطهم وإن بكوا لم أرحمهم، وإن تضرعوا صرفت وجهي عنهم. رواه ابن عساكر بهذا اللفظ (1).
وقال إسحاق بن بشر: أنبأنا إدريس، عن وهب بن منبه قال: إن الله تعالى لما بعث أرميا إلى بني إسرائيل وذلك حين عظمت الاحداث فيهم فعملوا بالمعاصي وقتلوا الأنبياء طمع بخت نصر فيهم وقذف الله في قلبه وحدث نفسه بالمسير إليهم لما أراد الله أن ينتقم به منهم فأوحى الله إلى أرميا إني مهلك بني إسرائيل ومنتقم منهم فقم على صخرة بيت المقدس يأتيك أمري ووحيي فقام أرميا فشق ثيابه وجعل الرماد على رأسه وخر ساجدا وقال: يا رب وددت أمي لم تلدني حين جعلتني آخر أنبياء بني إسرائيل فيكون خراب بيت المقدس وبوار بني إسرائيل من أجلي فقال له: ارفع رأسك فرفع رأسه فبكى ثم قال: يا رب من تسلط عليهم فقال عبدة النيران لا يخافون عقابي، ولا يرجون ثوابي، قم يا أرميا فاستمع وحيي أخبرك خبرك وخبر بني إسرائيل. من قبل أن أخلقك اخترتك. ومن قبل أن أصورك في رحم أمك قدستك ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهرتك، ومن قبل أن تبلغ نبأتك ومن قبل أن تبلغ الأشد اخترتك (2) ولامر عظيم اجتبيتك فقم مع الملك تسدده وترشده فكان مع الملك يسدده ويأتيه الوحي من الله حتى عظمت الاحداث [في بني إسرائيل وركبوا المعاصي واستحلوا المحارم] ونسوا ما نجاهم الله به من عدوهم سنحاريب وجنوده فأوحى الله إلى أرميا [أن ائت قومك من بني إسرائيل] قم فاقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمتي عليهم وعرفهم أحداثهم فقال أرميا: " يا رب إني ضعيف إن لم تقوني عاجز إن لم تبلغني مخطئ إن لم تسددني مخذول إن لم تنصرني ذليل إن لم تعزني " فقال تعالى: " أو لم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي وأن الخلق والامر كله لي وأن القلوب والألسنة (3) كلها بيدي فأقلبها