غيرنا خبرا عظيما، وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة. فقال عبد المطلب: أيها الملك مثلك سر وبر، فما هو فداؤك أهل الوبر زمرا بعد زمر؟
قال إذا ولد بتهامة، غلام به علامة، بين كتفيه شامة كانت له الإمامة، ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة. قال عبد المطلب - أبيت اللعن - لقد أبت بخير ما آب به وافد، ولولا هيبة الملك وإجلاله واعظامه لسألته من بشارته إياي ما ازداد به سرورا. قال ابن ذي يزن هذا حينه الذي يولد فيه أوقد ولد، واسمه محمد يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه. ولدناه مرارا والله باعثه جهارا، وجاعل له منا أنصارا يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرائم [أهل] الأرض، يكسر الأوثان ويخمد النيران، يعبد الرحمن ويدحر الشيطان، قوله فصل وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله وينهي عن المنكر ويبطله. فقال عبد المطلب أيها الملك - عز جدك وعلا كعبك، ودام ملكك، وطال عمرك. فهذا نجارى فهل الملك سار لي (1) بافصاح فقد أوضح لي بعض الايضاح. فقال ابن ذي يزن: والبيت ذي الحجب والعلامات على النقب إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب، فخر عبد المطلب ساجدا فقال: ارفع رأسك ثلج صدرك وعلا أمرك فهل أحسست شيئا مما ذكرت لك. فقال أيها الملك: كان لي ابن وكنت به معجبا وعليه رفيقا فزوجته كريمة من كرائم قومه آمنة بنت وهب فجاءت بغلام سميته محمدا فمات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه. قال ابن ذي يزن إن الذي قلت لك كما قلت فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا، واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فإني لست آمن أن تدخل لهم النفاسة من أن تكون لكم الرياسة فيطلبون له الغوائل وينصبون له الحبائل فهم فاعلون أو أبناؤهم ولولا أني اعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير بيثرب دار مملكته فإني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن بيثرب استحكام أمره وأهل نصرته وموضع قبره ولولا أني أقيه الآفات واحذر عليه العاهات لأعلنت على حداثة سنه أمره، ولأوطأت أسنان العرب عقبه، ولكني صارف ذلك إليك عن غير تقصير بمن معك. قال ثم أمر لكل رجل منهم بعشرة أعبد وعشرة إماء وبمائة من الإبل وحلتين من البرود وبخمسة أرطال من الذهب وعشرة أرطال فضة وكرش مملوء عنبرا وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك وقال له:
إذا حال الحول فأتني. فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول، فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول: [يا معشر قريش] لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك [وإن كثر] (2) فإنه إلى نفاد ولكن ليغبطني بما يبقى لي ولعقبي من بعدي ذكره وفخره وشرفه، فإذا قيل له متى ذلك قال سيعلم ولو بعد حين قال وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس:
جلبنا النصح تحقبه المطايا * على أكوار أجمال ونوق