البداية والنهاية - ابن كثير - ج ٢ - الصفحة ٣٣٥
إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف. قالت حليمة فاحتملناه فلم ترع أمه إلا به. فقدمنا به عليها فقالت ما ردكما به يا ظئر؟ فقد كنتما عليه حريصين؟ فقالا لا والله إلا أن الله قد أدى عنا، وقضينا الذي علينا، وقلنا نخشى الاتلاف والاحداث نرده إلى أهله. فقالت ما ذاك بكما فاصدقاني شأنكما؟ فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره، فقالت أخشيتما عليه الشيطان، كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل. والله إنه لكائن لابني هذا شأن ألا أخبركما خبره؟ قلنا بلى! قالت حملت به فما حملت حملا قط أخف [علي] منه فأريت في النوم حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام ثم وقع حين ولدته وقوعا ما يقعه المولود، معتمدا على يديه رافعا رأسه إلى السماء، فدعاه عنكما. وهذا الحديث قد روي من طرق أخر وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السير والمغازي (1).
وقال الواقدي: حدثني معاذ بن محمد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال خرجت حليمة تطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجدت البهم تقيل فوجدته مع أخته فقالت في هذا الحر؟ فقالت أخته يا أمه ما وجد أخي حرا. رأيت غمامة تظلل عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع.
وقال ابن إسحاق: حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا له أخبرنا عن نفسك. قال: " نعم أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى [أخي] عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا [مع أخ لي] في بهم لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض معهما طست من ذهب مملوء ثلجا، فأضجاني فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها. ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج، حتى إذا ألقياه (2) رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم، ثم قال زنه بمائة من أمته فوزنني بمائة فوزنتهم. ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بألف فوزنتهم، فقال دعه عنك، فلو وزنته بأمته لوزنهم " وهذا إسناد جيد قوي (3).

(١) ورد حادث شق الصدر في كتب السيرة، فقد رواه ابن هشام في السيرة (١ / ١٧٦) طبقات ابن سعد (١ / ١١٢) دلائل النبوة لأبي نعيم (١ / ١١١) دلائل النبوة للبيهقي ١ / ١٣٥ - ١٣٦ الخصائص الكبرى للسيوطي (١ / ٥٤).
وقد أشار له أصحاب التفاسير في تفسير قوله عز وجل (ألم نشرح لك صدرك).
وفي الأحاديث أن حادثة شق الصدر هذه تكررت; لما أصبح عمره صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ولما جاوز صلى الله عليه وسلم الخمسين من عمره (راجع أحمد - ابن حبان - ابن عساكر - مسلم - الحاكم).
(٢) في الطبري وابن هشام: أنقياه.
(٣) أخرجه البيهقي في الدلائل ج ١ / ١٤٦ والطبري ج ١ / ١٢٨ والحاكم في المستدرك ٢ / 600 وقال: صحيح.
الاسناد، ولم يخرجاه. وأقره الذهبي. وهو في السيرة 1 / 177 وما بين معقوفين في الحديث زيادة من ابن هشام والطبري.
ثور بن يزيد الكلاعي أبو خالد الحمصي أحد الحفاظ العلماء مات سنة 153 ه‍ وقيل سنة 155 ه‍.
وخالد بن معدان بن أبي كريب الكلاعي أبو عبد الله الشامي الحمصي توفي سنة 103 وقيل غير ذلك.
(تراجم الرجال - تهذيب التهذيب).
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»
الفهرست