السماء مشهودا، ثم يلي أمره الصديق إذا قضى صدق، وفي رد الحقوق لا خرق ولا نزق، ثم يلي أمره الحنيف، مجرب غطريف، قد أضاف المضيف، وأحكم التحنيف. ثم ذكر عثمان ومقتله وما يكون بعد ذلك من أيام بني أمية ثم بني العباس. وما بعد ذلك من الفتن والملاحم ساقه ابن عساكر بسنده عن ابن عباس بطوله. وقد قدمنا قوله لربيعة بن نصر ملك اليمن حين أخبره برؤياه قبل أن يخبره بها ثم ما يكون في بلاد اليمن من الفتن وتغيير الدول حتى يعود إلى سيف بن ذي يزن فقال له: أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟ قال بل ينقطع. قال ومن يقطعه؟ قال نبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلي قال وممن هذا النبي؟ قال من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر قال وهل للدهر من آخر؟ قال نعم، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون، يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون. قال أحق ما تخبرني؟ قال نعم والشفق والغسق والقمر إذا اتسق إن ما أنبأتك عليه لحق. ووافقه على ذلك شق سوآ بسواء بعبارة أخرى كما تقدم. ومن شعر سطيح قوله:
عليكم بتقوى الله في السر والجهر * ولا تلبسوا صدق الأمانة بالغدر وكونوا لجار الجنب حصنا وجنة * إذا ماعرته النائبات من الدهر وروى ذلك الحافظ ابن عساكر ثم أورد ذلك المعافى بن زكريا الجريري فقال: وأخبار سطيح كثيرة وقد جمعها غير واحد من أهل العلم. والمشهور أنه كان كاهنا وقد أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن نعته ومبعثه. وروى لنا بإسناد الله به أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سطيح فقال: " نبي ضيعه قومه ".
قلت: أما هذا الحديث فلا أصل له في شئ من كتب الاسلام المعهودة ولم أره بإسناد أصلا. ويروى مثله في خبر خالد بن سنان العبسي ولا يصح أيضا وظاهر هذه العبارات تدل على علم جيد لسطيح وفيها روائح التصديق لكنه لم يدرك الاسلام كما قال الجريري. فإنه قد ذكرنا في هذا الأثر أنه قال لابن أخته: يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطح شاما بملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه وكان ذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر - أو شية - أي أقل منه - وكانت وفاته بأطراف الشام مما يلي أرض العراق - فالله أعلم بأمره وما صار إليه. وذكر ابن طرار الحريري أنه عاش سبعمائة سنة. وقال غيره خمسمائة سنة، وقيل ثلاثمائة سنة فالله أعلم. وقد روى ابن عساكر أن ملكا سأل سطيحا عن نسب غلام اختلف فيه فأخبره على الجلية في كلام طويل مليح فصيح. فقال له الملك يا سطيح ألا تخبرني عن علمك هذا؟ فقال إن علمي هذا ليس مني ولا بجزم ولا بظن ولكن أخذته عن أخ لي قد سمع الوحي بطور سيناء. فقال له أرأيت أخاك هذا الجني أهو معك لا يفارقك، فقال إنه ليزول حيث أزول، ولا أنطق إلا بما يقول. وتقدم أنه ولد هو وشق بن مصعب بن يشكر بن رهم بن بسر بن