الليلة فإن لي إليكم حاجة، فلما اجتمعوا إليه من الليل، عشاهم وقام يخدمهم فلما فرغوا من الطعام، أخذ يغسل أيديهم ويوضئهم بيده ويمسح أيديهم بثيابه، فتعاظموا ذلك وتكارهوه فقال ألا من رد علي شيئا الليلة مما أصنع فليس مني ولا أنا منه فأقروه حتى إذا فرغ من ذلك قال: أما ما صنعت بكم الليلة مما خدمتكم على الطعام وغسلت أيديكم بيدي فليكن لكم بي أسوة، فإنكم ترون أني خيركم، فلا يتعظم بعضكم على بعض وليبذل بعضكم لبعض نفسه كما بذلت نفسي لكم، وأما حاجتي التي استعنتكم عليها فتدعون الله [لي] وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي، فلما نصبوا أنفسهم للدعاء، وأرادوا أن يجتهدوا أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء، فجعل يوقظهم ويقول سبحان الله أما تصبرون لي ليلة واحدة تعينوني فيها؟ فقالوا: والله ما ندري مالنا والله لقد كنا نسمر فنكثر السمر وما نطيق الليلة سمرا وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه، فقال:
يذهب بالراعي وتتفرق الغنم، وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعى به نفسه. ثم قال الحق ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات، وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني، فخرجوا وتفرقوا وكانت اليهود تطلبه فأخذوا شمعون أحد الحواريين فقالوا: هذا من أصحابه فجحد، وقال: ما أنا بصاحبه فتركوه. ثم أخذه آخرون فجحد كذلك، ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه. فلما أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال: ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح فجعلوا له ثلاثين درهما فأخذها ودلهم عليه، وكان شبه عليهم قبل ذلك، فأخذوه واستوثقوا منه وربطوه بالحبل، وجعلوا يقودونه، ويقولون: أنت كنت تحيي الموتى، وتنتهر الشيطان، وتبرئ المجنون، أفلا تنجي نفسك من هذا الحبل؟ ويبصقون عليه ويلقون عليه الشوك حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها فرفعه الله إليه وصلبوا ما شبه لهم فمكث سبعا. ثم إن أمه والمرأة التي كان يداويها عيسى فأبرأها الله من الجنون جاءتا تبكيان حيث كان المصلوب، فجاءهما عيسى فقال على م تبكيان قالتا: عليك. فقال: إني قد رفعني الله إليه، ولم يصبني إلا خير، ون هذا شئ شبه لهم فأمرا الحواريين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا فلقوه إلى ذلك المكان أحد عشر وفقد الذي كان باعه ودل عليه اليهود، فسأل عنه أصحابه فقالوا: إنه ندم على ما صنع فاختنق؟
وقتل نفسه فقال: لو تاب لتاب الله عليه. ثم سألهم عن غلام [كان] (1) يتبعهم يقال له يحيى فقال: هو معكم فانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان منكم يحدث بلغة قوم فلينذرهم وليدعهم.
وهذا إسناد غريب عجيب وهو أصح مما ذكره النصارى من أن المسيح جاء إلى مريم وهي جالسة تبكي عند جذعه فأراها مكان المسامير من جسده وأخبرها أن روحه رفعت وأن جسده صلب وهذا بهت وكذب واختلاق وتحريف وتبديل وزيادة باطلة في الإنجيل على خلاف الحق ومقتضى الدليل (2).