الميسرة وثبتت ربيعة وكان الحسن والحسين ومحمد بنو علي معه حين قصد الميسرة والنبل يمر بين عاتقيه ومنكبيه وما من بنيه أحد إلا يقيه بنفسه فيرده فبصر به أحمر مولي أبي سفيان أو عثمان فأقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولي علي فاختلفا بينهما ضربتان فقتله أحمر فأخذ علي بجيب درع أحمر فجذبه وحمله علي عاتقه ثم ضرب به الأرض فكسر منكبيه وعضديه ودنا منه أهل الشام فما زاده قربهم إلا إسراعا فقال له ابنه الحسن ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى هؤلاء القوم من أصحابك فقال يا بني إن لأبيك يوما لا يعدوه ولا يبطئ به عنه السعي ولا يعجل به إليه المشي وإن أباك والله لا يبالي أوقع علي الموت أم وقع الموت عليه. فلما وصل إلى ربيعة نادى بصوت عالي كغير المكترث لما فيه الناس لمن هذه الرايات قالوا رايات ربيعة قال بل رايات عصم الله أهلها فصبرهم وثبت أقدامهم وقال للحضين بن المنذر يا فتي ألا تدني رأيتك هذه ذراعا قال بلي والله عشرة أذرع فأدناها حتى قال حسبك مكانك ولما انتهي علي إلى ربيعة تنادوا بينهم يا ربيعة إن أصيب فيكم أمير المؤمنين وفيكم رجل حي افتضحتم في العرب فقاتلوا قتالا شديدا ما قاتلوا مثله فلذلك قال علي:
(لمن راية سوداء يخفق ظلها * إذا قيل قدمها حضين تقدما) (ويقدمها في الموت حتى يزيرها * حياض المنايا تقطر الموت والدما) (أذقنا ابن حرب طعننا وضرابنا * بأسيافنا حتى تولي وأحجما) (جزي الله قوما صابروا في لقائهم * لدى الموت قوما ما أعف وأكرما)