فأخرجهم من خنادقهم كأنهم جبال حديد قد تواثقوا أن لا يفروا وقد قرن بعضهم بعضا كل سبعة في قران وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا ينهزموا، فلما خرجوا نكص ثم نكص واغتنمها الأعاجم ففعلوا كما ظن طليحة وقالوا: هي هي. فلم يبق أحد إلا من يقوم على الأبواب وركبوهم، ولحق القعقاع بالناس وانقطع الفرس عن حصنهم بعض الانقطاع والمسلمون على تعبية في يوم جمعة صدر النهار، وقد عهد النعمان إلى الناس عهده وأمرهم أن يلزموا الأرض ولا يقاتلوا حتى يأذن لهم ففعلوا واستتروا بالحجف من الرمي. وأقبل المشركون عليهم يرمونهم حتى أفشوا فيهم الجراح.
وشكا بعض الناس وقالوا للنعمان: ألا تري ما نحن فيه فما تنتظر بهم؟ ائذن للناس في قتالهم. فقال: رويدا رويدا. وانتظر النعمان بالقتال أحب الساعات كانت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقى العدو فيها وذلك عند الزوال فلما كان قريبا من تلك الساعة ركب فرسه، وسار في الناس ووقف على كل راية يذكرهم ويحرضهم ويمنيهم الظفر وقال لهم: إني مكبر ثلاثا فإذا كبرت الثالثة فإني حامل إن شاء الله فاحملوا وإن قتلت فالأمير بعدي حذيفة، فإن قتل ففلان حتى عذ سبعة آخرهم المغيرة. ثم قال: اللهم أعزز دينك، وانصر عبادك، واجعل النعمان أولى شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك.
وقيل: بل قال: اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام واقبضني شهيدا. فبكى الناس ورجع إلى موقفه فكبر ثلاثا والناس سامعون مطيعون مستعدون للقتال وحمل النعمان والناس معه وانقضت رايته انقضاض العقاب والنعمان معلم ببياض القباء والقلنسوة فاقتتلوا قتالا