وكان منزل أبي بكر بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة فأقام هنالك ستة أشهر بعدما بويع له، وكان يغدو على رجليه إلى المدينة، وربما ركب فرسه فيصلي بالناس، فإذا صلى العشاء رجع إلى السنح، وكان إذا غاب صلى بالناس عمر، وكان يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عليه، وربما خرج هو بنفسه فيها وربما رعيت له وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع، بالخلافة، قالت جارية منهم: الآن لا يحلب لنا منائح دارنا، فسمعها فقال: بلى لعمري لأحلبنها لكم، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه. فكان يحلب لهم، ثم تحول إلى المدينة بعد ستة أشهر من خلافته وقال: ما تصلح أمور الناس مع التجارة، وما يصلح إلا التفرغ لهم والنظر في شأنهم. فترك التجارة، وأنفق من مال المسلمين ما يصلحه وعياله يوما بيوم وشج ويعتمر، فكان الذي فرضوا له في كل سنة ستة آلاف درهم، وقيل: فرضوا له ما يكفيه، فلما حضرته الوفاة أوصى أن تباع أرض له ويصرف ثمنها عوض ما أخذه من مال المسلمين.
وكان أول وال فرض له رعيته نفقته، وأول خليفة ولي وأبوه حي، وأول من سمى مصحف القرآن مصحفا، وأول من سمي خليفة.
(زنيرة بكسر الزاي والنون مشددة. وعبيس بضم العين المهملة وبالباء الموحدة المفتوحة ثم بالياء المثناة من تحت وبالسين المهملة. ومنية بالنون الساكنة والياء تحتها نقطتان).