وأعلم الناس لبعد الطريق وشدة الحر وقوة العدو، وكان قبل ذلك إذا أراد غزوة وري بغيرها.
وكان سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن هرقل ملك الروم ومن عنده من متنصرة العرب قد عزموا على قصده فتجهز هو والمسلمون وساروا إلى الروم، وكان الحر شديدا والبلاد مجدبة والناس في عسرة، وكانت الثمار قد طابت فأحب الناس المقام في ثمارهم فتجهزوا على كره، فكان ذلك الجيش يسمى جيش العسرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجد بن قيس - وكان من رؤساء المنافقين - هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر؟ فقال: والله لقد عرف قومي حبي للنساء وأخشى أن لا أصبر على نساء بني الأصفر، فإن رأيت أن تأذن لي ولا تفتني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أذنت لك. فأنزل الله تعالى: (ومنهم من يقول: ائذن لي ولا تفتني) الآية. وقال قائل من المنافقين: لا تنفروا في الحر فنزل قوله تعالى: (وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشذ حرا) الآية.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم تجهز وأمر بالنفقة في سبيل الله وأنفق أهل الغنى وأنفق أبو بكر جميع ما بقي عنده من ماله، وأنفق عثمان نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم منها قيل: كانت ثلاثمائة بعير وألف دينار.
ثم إن رجالا من المسلمين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهم البكاؤن وكانوا سبعة نفر من الأنصار وغيرهم، وكانوا أهل حاجة فاستحملوه فقال: لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا يبكون، فلقيهم يامين بن عمير بن كعب النضري فسألهم عما يبكيهم فأعلموه فأعطى أبا ليلى