اخرج عني يا عدو الله من رحلي ولا تصحبني. فزعم بعض الناس أن زيدا تاب [بعد ذلك] وحسن إسلامه، وقيل: لم يزل متهما حتى هلك.
ووقف بأبي ذر جمله فتخلف عليه فقيل: يا رسول الله تخلف أبو ذر فقال: ذروه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم فكان يقولها لكل من تخلف عنه، فوقف أبو ذر على جمله، فلما أبطأ عليه أخذ رحله عنه وحمله على ظهره وتبع النبي صلى الله عليه وسلم ماشيا، فنظر الناس فقالوا: يا رسول الله هذا رجل على الطريق وحده. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر. فلما تأمله الناس قالوا: هو أبو ذر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، ويشهده عصابة من المؤمنين.
فلما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة فأصابه بها أجله ولم يكن معه إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن يغسلاه ويكفناه ثم يضعاه على الطريق فأولى ركب يمر بهما يستعينان بهم على دفنه ففعلا ذلك، فاجتاز بهما عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق فأعلمته امرأة أبي ذر بموته فبكى ابن مسعود وقال: صدق. رسول الله صلى الله عليه وسلم تمشي وحدك. وتموت وحدك. وتبعث وحدك، ثم واروه.
وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك فأتى يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة فصالحه على الجزية وكتب له كتابا فبلغت جزيتهم ثلاثمائة دينار، ثم زاد فيها الخلفاء من بني أمية، فلما كان عمر بن عبد العزيز لم يأخذ منهم غير ثلاثمائة وصالح أهل أذرح على مائة دينار في كل رجب، وصالح أهل جرباء على الجزية؛ وصالح أهل مقنا على ربع ثمارهم.